تتقاطع الكتابة و القراءة عند اللغويين في عملية الضم والجمع. فالكتابة مصدر ضم وجمع،وكذلك القراءة، ويؤكد ابن الأثير على المعنى نفسه حين يقول في باب قرأ : " تكرر في الحديث ذكر القراءة والاقتراء والقارىء والقرآن، والأصل في هذه اللفظة الجمع، وكل شيء جمعته فقد قرأته1" 1- العلاقة بين الكتابة والقراءة: إن القراءة في أبسط حدها هي الجمع بين الحروف والكلمات والجمل، إما جهرا فتسمى قراءة "جهرية" ، وإما سرا فتسمى قراءة "صامتة" وفي الأمرين معا لابد للقراءة من الكتابة. ولأجل ذلك قلنا، إن فعل الكتابة مقدم على فعل القراءة بخلاف ما قد يبدو لأول وهلة، وبخلاف ما نؤكده حول أسبقة " التعبير الشفهي" على "التعبير الكتابي". ويمكن القول من غير تردد : إن الكتابة "فعل" مشروط بالقراءة، لما بينهما من علاقة حميمة وتفاعل قوي : فهما وجهان لفعل واحد ، إلى درجة يستحيل معها وجود إحداهما دون استدعاء الأخرى : » فالأثر لا يكتب، ولا يبرز للوجود إلا موصولاً بالقراءة، إذ القارىء هو الذي يخرج بالأثر من حيز الوجود بالقوة إلى حيز الوجود بالفعل، ولكن القراءة لا تتم إلا مع الكتابة : إنها _ في آخر المطاف _ فعل مستحدث، يستحدثه النص المكتوب. إن النص نداء، وإن القراءة تلبية لهذا النداء. وهكذا فالتفاعل بين القراءة والكتابة على أشد ما يكون تبادلا، إذ لا وجود لأي منهما إلا بوجود الأخرى «2 إن القارىء يستصحب الكاتب ويستلزمه تماما، كما كما تستصحب القراءة الكتابة وتستلزمها، إلا أن الأمر هنا لا يتعلق بعلاقة باردة فاترة، لأننا لسنا بصدد كتابة ميتة، أو قراءة تحول المرموز إلى منطوق، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى خلق أجواء صاخبة من الانفعال والتفاعل، حيث يؤدي هذا التفاعل بين القارىء والكاتب إلى تبادل الأدوار، وذلك حين يتحول القارىء إلى متقمص لدور الكاتب ، متجشما حمل اقتراحات وتعديلات وتأويلات تحسن فن الكتابة، وحين يتحول الكاتب إلى قارىء يتصور ما سيكون عليه إنتاجه، وما سيترتب عنه من ردود فعل القراء، بل قد يصبح الكاتب قارئا دون أن يتنازل عن حقه في أن يكون كاتبا. وهذا ما تنبه إليه جون بول سارتر حين أعلن : » أعتقد أنه يوجد اختلاف كبير بين الكلام والكتابة، إن ما نكتبه نعيد قراءته، ولكننا نقرأه ببطء أو بسرعة : إنك لا تقدر الوقت الذي تقضيه منحنيا على جملة ما، لأن ما في هذه الجملة من خلل أو نحوه، لا يمكن أن يظهر لك من الوهلة الأولى. إنه ربما هناك شيء فيها، ربما هناك علاقة قبيحة مع الجملة التي قبلها، أو الجملة التي تليها، أو مع مجموع الفقرة أو الفصل.«3 . إن تحول الكاتب إلى قارىء مراجع لكتابته أمر معروف في ممارسة الكتابة عند العرب، وتسمى هذه العملية " التحكيك"، أي مراجعة الشعر أو الخطبة بالتهذيب والتنقيح، فقد كان يمر حول كامل يتولى فيه الأديب عمله بالرعاية والصقل قبل أن يخرجه في أبهى صورة. » قال نوح بن جرير : قال الحطيئة: " خير الشعر الحولي المنقح"، وقال البعيث الشاعر، وكان أخطب الناس: "إني والله ما أرسل الكلام قضيبا خشيبا ، وما أريد أن أخطب يوم الحفل إلا بالبائت المحكك"4. وسواء أكان القارىء المراجع الذي يدخل مع الكاتب في مفاوضة التهذيب و التنقيح، هو ذاته أم شخصا غيره، فاءن هذا التفاوض هو تفاوض قراءة و كتابة، أي أن الكاتب يعرض إنتاجه أمام القارىء ليستحسنه أو يطلب مراجعته أو يستهجنه. ويؤكد بيير ماشيري P.Machery - وهو أحد أعلام نظرية " الإ نتاج الأدبي" _ _على أنه لا فصل بين القراءة و الكتابة ، وكان ذلك من باب المقتضيات المنهجية. ولكنه، وهو يقرر هذه الحقيقة ، تجده ينص على كون الظروف التي تؤثر في الكتابة هي نفسها الظروف التي تؤثر في القراءة، بل هي نفسها الظروف التي تؤثر في عملية التخاطب عموما5. وأمام هذا المعطى يمكننا استلهام فضيلة بريخت B.Brecht المتمثلة في التمثيل التالي: «إن الأكل ذاته يستوجب منا تحريك الفكين، إن لم يستوجب نقل الطعام من الوعاء إلى الفم«6. ومعنى ذلك أن الإستهلاك باعث على الإنتاج، وأن العملية الواحدة تتطلب منا فعلين اثنين يستلزم أحدهما الآخر ويقتضيه. 2- الارتقاء بالعلاقة بين الكتابة والقراءة: لن يكون للكتابة وجود فعلي من دون القراءة، ففعل الكتابة لا ينحصر في أن يكون خطا وتصويرا للألفاظ بحروف الهجاء، كما يتبادر إلى الذهن، كما أن فعل القراءة لا يقتصر على ترديد الكلمات المكتوبة على نحو ما يفعل أطفال الكتاتيب والرياض .. فهناك خطان متقابلان تنتظم في حيزهما عملية الكتابة والقراءة وتنسجم. وبقدر حصول هذا الانسجام بقدر ماتكون العلاقة بين المكتوب و المقروء علاقة تفاعل وإنتاج، فالنظر إلى الخطوط والرسوم، والتملي بزخرفها لا ينبغي أن يقدم سوى نظرة إعجاب بلهاء، أو تحويل لهذه الخطوط العجيبة إلى كلام ملفوظ قد لا يحمل أي معنى، أو قد يحمل معنى أخرس. وهذه هي عملية البداية في علاقة الكتابة بالقراءة، تلك البداية التي يتحول فيها المخطوط إلى منطوق أو شبه منطوق. يمكن أن نرتقي بهذه العلاقة إلى مستوى أعلى حين تصبح القراءة قراءة واعية متقصية، أي حين نقصد القراءة بمعناها الشريف الذي يدخلنا في لذة النص حسب تعبير "بارت"، وحين نغوص في "ما ورائيات" الخطوط و الدوائر والنقط وعلامات الترقيم لنبحث عن عوالم نابضة بالحياة و الحيوية، مشحونة بالتأويلات العديدة التي تتطلب منا انتقاء الأحسن عن طريق تقديم قراءة قليلة من بين ملايين القراءات، لأن النص الذي يفرض قراءة واحدة نص ناضب جاف، لا ماء فيه ولا رونق، ولا ما يدفع العقول إلى البحث والتقصي وممارسة فعل التعذيب و الاستنطاق. وقد كان النقاد في فرنسا يأخذون على الكتاب الشباب أمثال : آلان روب جرييهA.Robbe-Grillet وغيره من أتباع مدرسة " الرواية الجديدة" غموض كتاباتهم، وما تعاني منه من إبهام نتيجة الأحداث المتداخلة ، وعدم وجود شخصيات واضحة ، أو "حبكة" يمكن تعرفها بجلاء. وكان بارت يعلي من شأن هذه الأعمال الروائية، ويثني على هذا النوع من الكتابة التي تتطلب من القارىء إعمال الذهن لفهمها، وحل غموضها ، بل إنه ذهب في ذلك إلى حد الإقرار بأن أغراض الأدب تتحقق على أكمل وجه من خلال هذه الأعمال التي لا تقرأ أو لا يمكن قراءتها بسهولة، والتي تتحدى كل توقعاتنا. وعلى هذا الأساس فإنه في مواجهة الأعمال (القابلة للقراءة) ، والتي تتفق مع القواعد والمفاهيم التقليدية وضع الأعمال التجريبية (المكتوبة)، أو التي يمكن كتابتها وإن كنا لا نعرف كيف نقرأها، وإنما نستطيع أن نكتبها فحسب : وهي كتابات ينبغي، في الحقيقة، أن تكتب في الوقت الذي نقرأها فيه. وهذه كلها عبارات قد تبدو غامضة، وهو غموض مقصود، لأن "بارت" كان يقف موقف العداء من " الوضوح" Clarté الفرنسي المشهور، الذي لا يترك فرصة للذهن لأن يعمل ويعاني في قراءة "النص" ، ويكاد يكتبه من جديد وهو يقرأ حتى يستطيع فهمه.7 إن هذا الغموض الذي يناصره "بارت" ليس غموضا ساذجا يقوض عرى العلاقة بين الكاتب والقارىء، بل إنه غموض يسمو بهذه العلاقة، ويدعو القارىء إلى أن يقوم بدور إبداعي فعال فيشارك الكاتب في ميلاد النص، ومخاض الولادة، والدفع بهذا الجنين إلى أحضان الحياة. وينتمي أبو تمام، الشاعر العباسي، إلى هذه الفئة التي ناصرناها رولان بارت، فقد كان غامضا في فنه وأدبه، وكان الناس يقولون له: » لم تقول مالا يفهم؟ فيجيبهم : » ولم لا تفهمون ما أقول ؟«. لقد كانوا يطلبون منه أن ينزل إليهم ، وإلى مستواهم، وكان هو يدعوهم إلى الصعود ، وارتياد عوالمه المتشبعة. وتلك دعوة شريفة سامية لإعمال عقولهم فيما يقول من فن شعري راق، لقد كان يريد من قرائه السمو إليه، ومشاركته في إبداعه وفنه، والدخول في عوالمه الكثيرة القراءات المتنوعة لشعره، وحيث "لذة النص" التي تحدث عنها بارت. وبقدر ما كان أبو تمام غامضا، بقدر ما كانت نصوصه لذيذة الطعم، إذ سرعان ما تنبثق أمام القارىء الذكي خيوط رفيعة توصله إلى عمق فكره، وإلى عمق فنه وصوره، فيصبح أمام غموض إيجابي اقتضاه الفن الرفيع، والموهبة الفذة. ونؤكد مرة أخرى أن هذا الغموض فني، إذ لا يعقل أن نكتب بحجة الغموض أي نص، وكيفما اتفق، لأن كثيرا من الشعر الحديث لم يكتب له النجاح فأدركه سخط القراء، وانزوى إلى الحضيض : إنه لم يدرك الحكمة وراء الغموض الفني، ولم يعط للقارىء ذلك الخيط الرفيع الذي يشده إلى عوالم الإبداع الرحبة، وسماوات الفن الدافق بالحيوية والحياة. هاهنا نصل إلى نوع من الشراكة بين فعل الكتابة وفعل القراءة، وقوام هذه الشراكة: طموح الكاتب إلى أن يكتب فنا يقرأ، وطموح القارىء إلى أن يقرأ فنا مكتوبا. يقول فليب سولير Ph.Sollers في كتابه Logiques : » لم تعد المسألة الجوهرية الآن هي مسألة الكتاب وأعماله بقدر ماهي مسألة الكتابة والقراءة«8. ويعني هذا الكلام أن الاهتمام تحول من المؤلف بصفته مصدرا، ومن العمل بصفته موضوعا، إلى عمليتين أخريين مترابطتين ومتلازمتين، ويتعلق الأمر بالكتابة باعتبارها نظاما، والقراءة باعتبارها نشاطا. ولعل » الذي دفع إلى هذا التحول هو أن التركيز على علاقة المؤلف بأعماله _ كما كان عليه الاتجاه التقليدي في النقد الأدبي _ كثيرا ما يؤدي إلى إغفال أو تجاهل خصائص الكتابة ومميزاتها من ناحية، وإلى النظر إلى الأدب كما لو كان مجرد صورة أخرى معدلة من " فعل الاتصال عن طريق الكلام" أي إعتباره وسيلة لنقل الآراء و الأفكار، وتوصيلها من الناحية الأخرى.« 9 إن اعتبار الكتابة نظاما له بنياته وكيانه الذي يتجاوز كونه أداة للنقل والتواصل هو الذي دفع ببارت إلى أن يميز بين الكتابة اللازمة، والكتابة المتعدية : » فثمة فارق كبير بين أن يقول الكاتب : "إنه يريد أن يكتب شيئا ما..." وهذا هو نوع الكتابة المتعدية، وأن يقول : "إنه يريد أن يكتب"، فحسب _ فهنا يكون( الفعل : يكتب) فعلا لازما وغير متعد صحيح، وهذه هي التفرقة بين نوعي الكتابة. الكتابة (اللازمة) ، والكتابة (المتعدية)، هي أساس التمييز ليس فقط بين الكتابة الأدبية أو الإبداعية التي يختصها بكلمة écriture ، وبين الكتابة الأخرى العادية، وإنما هي أيضا أساس التمييز بين كتاب المبدعين écrivains ، والكتاب العاديين (أو حتى الكتبة) _ إن صحت هذه الترجمة لكلمة écrivent . وبلغ به الاهتمام بهذه التفرقة إلى حد أن يخصصة لها مقالا مستقلا تحت عنوان Ecrivains et écrivents : نشره في كتابه : (دراسات نقدية)«.10 إن الكاتب المبدع _ حسب بارت _ فيه شيء من الكاهن ، أما الكاتب العادي ففيه شيء من الكاتب العمومي. وإذا كان للكاتب العمومي وظيفة Fonction سامية يمارسها في المجتمع، فإن للكاتب العادي نشاطا activité فحسب، يمارسه. وهذا » لا يعني أن الكاتب المبدع هو ماهية essence خالصة، فهو يفعل ، ولكن فعله متأصل وجوهري وحال في موضوع ذلك الفعل، ملازم له ... إن الكاتب المبدع " يتصور الأدب غاية" في ذاتها، ولايعتبر اللغة مجرد أداة أوسيلة، وإنما ينظر إليها على أنها (بناء)، ولذا كان الكاتب المبدع هو الإنسان الوحيد الذي _ بحكم التعريف _ يفقد بناءه الخاص وبناء العالم في بناء اللغة«11. إن الكاتب المبدع هو الذي يخاطب قارئا مبدعا، أو هو الذي يثير الرغبة الكبيرة في القراءة، » وعلى الرغم من أنه يريد، بطبيعة الحال ، أن يكون "محبوبا"، وقريبا من القراء، فإن الأهم من ذلك بالنسبة إليه هو اعتراف القراء بصفته كاتبا«12، وهذا الاعتراف هو المبرر لوجوده والإقرار بجودة فنه. 3- القراءة أساس فن الكتابة : 13 لم يجانب بيفون Buffon الصواب حينما أكد في خطابه المعروف حول الأسلوب : أن معارفنا هي أصل إنتاجاتنا، ويمكن القول _ تأسيسا على ذلك _ إن كل المواهب تتفتق من خلال مداومة القراءة والانكباب عليها، وأن حقل تخيلنا أرض موات قابل للإنتاج إذا تم حرثه، وأن تفتح الفكر رهين بكمية ونوعية ما نقرأ. وعلى النقيض من ذلك فالإنسان الذي لا يقرأ عاجز عن معرفة قواه الذاتية وجاهل دائما مايستطيع إنتاجه. إن القراءة تطرد الجفاف، وتنشط الملكات والذكاء، وتمنح الخيال حريته، فالموهبة استيعاب لكتابات سابقة لذلك يجب قراءة ما كتبه الآخرون، لكي تكتب أنت ، ولأجل أن تقرأ كتاباتك ، وفضلا عن ذلك فهي المعلم الكبير الذي يعلمنا كل شيء بدءا من ضبط الخط والإملاء وصياغة الجمل وتركيب الفقرات. لكن من هم الكتاب الخليقون بقراءة إنتاجاتهم؟ يجب أساسا قراءة الإنتاجات التي تمكن من رؤية أصحابها، وذلك بمعرفة أساليبهم وإجراءاتهم الكتابية، أي الذين يمكننا إدراك وسائل عملهم ودقائق تقنياتهم وبراعة فن التعبير عندهم. وتعتبر قراءة مؤلفات الكتاب الجيدين ضرورية لأجل تكوين الأسلوب لكن هنا يجب أن نتساءل : كيف يجب أن تكون القراءة؟ إن جني الفائدة من عملية القراءة يتطلب طريقة جيدة في الإطلاع على الكتب ، فالقراءة الجيدة تتطلب أخذ النقط واستقصاء الأفكار و الأساليب، وتحديد ما نريد الإمساك به. وأخذ النقط يتطلب الاستعانة بجذاذات تتضمن الجوانب المعرفية والأقوال المثيرة وتدوين الأحكام الخاصة. إن الجذاذات ضرورية للمعرفة، وبدونها لا يمكن تذكر ما قرأناه، فهي تلخص مواضيع المؤلفات، وتضم أحكام الكتاب وأفكارهم،...كما تضم تعاليقنا وملاحظاتنا حول المادة المقروءة. إن ماينبغي مطالبة الأساتذة به وهم بصدد درس قرائي هو توجيه أنشطة التلاميذ إلى جوانب معينة في النصوص المكتوبة، من مثل: مارأيكم في الأسلوب؟ أين تكمن قوته؟ ماذا يمكن لكاتب عادي أن يقوله عوض ذلك؟ بأي إجراء عملي ترون أن المؤلف استطاع التوصل إلى هذه السرعة؟ على ماذا يركز الاختصار؟ كيف ستكون هذه الجمل لو لم يتم اختصارها؟ كيف، ولماذا هناك حياة في هذه الحكاية؟ ما الذي يشكل رونق الأسلوب وتميزه؟ أعيدوا تراكيب هذه الأبيات الشعرية لكي يظهر ماذا كانت ستكون لو لم تتوفر على رونق؟ كيف يقول الكاتب شخوصه ما يقولونه؟ وماذا كان يجب أن يقولوه بخلاف ذلك؟ من أي نوع هذه الحكاية؟ أين تكمن الحركة؟ أين تمكن الانتقالات والتحولات؟ ما المقطع المتميز بصعوبة التحليل؟ ما الصيغ الفكرية التي يدل عليها المقطع؟ هل هناك طريقة أخرى يمكن أن تساعدنا على تحليله؟ هناك عشرات الأسئلة التي تستهدف فن الكتابة، وتمنح البعد الديداكتيكي فعالية ونجاعة في الاستفاذة من فعل القراءة من أجل إنتاج الكتابة، لكن لاينبغي أن تكون القراءات مقتصرة على الملاحظات والاستعراضات السريعة للحروف والكلمات والجمل والفقرات، إنها تتضمن عدداً من التمرينات المفيدة كالمقارنات والمحاكاة والتحويلات... خلاصة : إن دراسة سيرورة الكتابة تقتضي منا العود إلى أصلها الأول ونبعها المعين الذي تنهل منه، ولا نعدم هذا الأصل / النبع في طبائع القراءة وأنواعها وطرقها ومقدارها وتوجهاتها وأساليب النصوص القرائية... وإذا كانت الكتابة هي الثمرات التي يطيب لنا الالتذاذ بها فإن القراءة هي البذور التي ينبت نباتها زرعا طيبا. فحوى هذا الكلام هو أننا مطالبون بتوجيه تلامذتنا إلى القراءة المنتجة التي تعتمد التقصي والاستقراء والاستدلال واستحضار النصوص الجميلة قلبا وقالبا، دون أن يكبت هذا الاستحضار ما في مكنون ذواتهم القارئة والتي ننتظر منها أن تتحول إلى ذوات كاتبة. إنه لا معنى أن يتحول درس القراءة إلى أنشطة مملة يملي فيها الأستاذ قراءته على التلاميذ، فما أحوج هؤلاء إلى تقنيات قرائية تمهر عملهم وتزودهم بالتقنيات الضرورية التي تدفعهم إلى التعلم الذاتي، وهذا الأخير لا يتم إلا من خلال التمرس بالقراءة من أجل الوصول إلى القراءة الذاتية الحرة الواعية. ولا معنى كذلك أن يتحول درس التعبير و الإنشاء إلى تداول للمحتوى ومحاكاة لنماذج سابقة. إن هذا الدرس هو استخلاص لحصائل القراءة والتي ينبغي أن تظهر في شكل إنتاجات ونصوص كتابية عوض ترديد الكلام وتكريس المشافهة بدعوى إغناء النقاش، فلا حاجة لنا بتلميذ يعبر ليعيد ما قاله الأستاذ، كما لا حاجة لنا بتلميذ يكتب الجاهز، إننا في أمس الحاجة إلى تلميذ قارىء بوعي، مستطيع أن يحلق من فضاء القراءة إلى فضاء الكتابة على أجنحة النصوص الإبداعية الجميلة، وعلى ثقة بالنفس لأجل الإفصاح _ من خلال فن الكتابة _ عن الذات المفردة الخالصة، حيث ترقد الأحلام والأخيلة و الرؤى المتنوعة للكون والكائنات. المصادر و المراجع : 1 ابن منظور _ لسان العرب _ المجلد الأول - دار صادر _ بيروت - ص 129 2 حسين الواد _ في مناهج الدراسات الأدبية _ منشورات الجامعة _ الطبعة الثانية. يناير1985 _ ص72 3 Vinger(G)- Ecrire- Eléments pour une pédagogie de la production écrite. Coll. Didactique des langues étrangères -ed .C.L.E international _Paris1982 p21 4 الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر _ 1968 _ البيان والتبيين "تحقيق فوزي عطوي" _ دار صعب _ بيروت _ ص 117 5 حسين الواد- في مناهج الدراسات الأدبية _ مرجع سابق- ص 72 6 Brecht (B)- Ecrits sur la littérature et l_art _ ed, L_arche.. Paris- 1970-p 56 7 د.أحمد أبو زيد _ لعبة اللغة _ مقالة في عالم الفكر _ المجلد : 16 _ العدد4 _ يناير- فبراير 1986 _ الكويت ، ص 10 8 د.أحمد أبو زيد _ لعبة اللغة _ مرجع سابق، ص 12. 9 د.أحمد أبو زيد _ لعبة اللغة _ مرجع سابق، ص ص 12 _ 13. 10 د.أحمد أبو زيد _ لعبة اللغة _ مرجع سابق، ص ص 15 _ 16. 11 د.أحمد أبو زيد _ لعبة اللغة _ مرجع سابق، ص ص 15 _ 16 بتصرف. 12 نفسه ص ص : 15 _ 16 . 13 بتصرف عن الأستاذ محمد بوبكري »أحد دروسه الملقاة بالمركز الوطني لمفتشي التعليم الثانوي سنة 1996». * مفتش منسق جهوي في التعليم الثانوي بأكاديمية جهة الغرب الشراردة بني احسن.