الجغرافية قدر..لم تختر بلادنا أن تكون جاراً لإسبانياوالجزائر، هذا ما يجعل الأمر طبيعيا أن تنفجر ألغام بين الجيران في أكثر من جهة في العالم، خاصة بعد نهاية مرحلة الاستعمار التقليدي الذي فرض مثلا مواجهة بين بلجيكا وشعب الزايير الكونغو الديمقراطية حاليا، هذا الأمر بالتأكيد له استثناءات خاصة مع الحروب الأخيرة التي دخلتها الولاياتالمتحدةالأمريكية في العراق وأفغانستان وتدخلاتها المختلفة بوصفها «دركيا» دولياً.. إسبانياوالجزائر لايجمع بينهما سوى الخير والإحسان وأنبوب الغاز الذي يمر عبر التراب المغربي وذلك الذي سيتم افتتاحه الشهر المقبل ويربط مباشرة بين البلدين عبر البحر الأبيض المتوسط، الأولى راكمت سنوات من الحقد اتجاه «المورو» أي المغاربة، تارة باستحضار التاريخ وحكم المغاربة لإسبانيا في مراحل مختلفة، وتارة باستحضار سنوات الحرب الأهلية واضطرار عدد من الإسبان إلى الهجرة إلى المغرب بحثا عن الأمان وعن كسرة خبز وتارة أخرى عندما يستحضرون الهزائم العسكرية التي طبعت التاريخ العسكري بين البلدين ولعل معركة أنوال لازالت حاضرة في الذاكرة الجماعية للأسبان إضافة إلى إرث فرانكو ذو النزعة الوطنية الشوفينية، والثانية أي الجزائر بلد المليون شهيد والأمير عبد القادر، الشقيق التوأم للمغرب وأقرب شعوب العالم لنمط العيش المغربي ولحضارته وتدينه والتي تعرض المغرب بسببها إلى هزيمة «إيسلي» التي أطاحت بهبته العسكرية منذ معركة « وادي المخازن « والتي كانت القشة التي قسمت استقلالنا ووحدتنا الترابية ، الثورة الجزائرية كانت الوحيدة في العالم التي أكلت أبنائها وجيرانها الذين ربطوا استقلالهم باستقلالها كما رافع الزعيم علال الفاسي معترضا على مفاوضات إيكس ليبان من القاهرة، حتى أن قيادة الثورة كادت في إحدى إجتماعاتها بالقبائل أن تعلن المغفور له محمد الخامس ملكا على المغرب والجزائر بعد نفيه، منذ ذلك التاريخ جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وتكسرت الأماني على أحدية النظام العسكري الذي وضعه « الثوار «لحكم الجزائر بالحديد والنار وتوجيه فائضه بسخاء كبير للمغرب.. الفرق بين الجزائروإسبانيا فيما يتعلق بالموقف من المغرب، يتمثل في كون العداء للمغرب بالنسبة للجزائر يعتبر عقيدة للقيادة العسكرية والقيادة السياسية التي لم تعرف أي تجديد ، في حين يعتبر الشعب الجزائري قيادته مجرد عصابة اختطفت الثورة وتاجرت بدماء شهدائها ولا يعتبر قضية الصحراء قضية وطنية داخلية بل يحمل حقدا مكبوتا على جبهة البوليساريو، ويعتبر نفسه ضحية لسياسة حكامه الذين فضلوا الدفع بسخاء لأعداء المغرب على حساب حق الشعب الجزائري في التنمية والتقدم، بالمقابل نجد العداء في إسبانيا للمغرب يتجاوز حدود الطبقة السياسية والعسكرية بل يستقر في لاوعي بل قل الوعي الجماعي للشعب الإسباني بإستثناءات تكاد لاتذكر بسبب ثقل التاريخ وحداثة الديمقراطية في بعدها الأخلاقي الفلسفي لدى الجارة في الشمال، مطلوب من المغرب أن يتدبر هذا الواقع بالكثير من الحكمة والبصيرة، وأن يختار بكيفية ذكية متى وكيف وأين يوجه سهامه لكي تكون لها نتائج، والخطأ هو أن ننخرط في لحظة حماس في إطلاق النار في كل الاتجاهات ونخلق بذلك شروطا موضوعية لتحالفات إقليمية ،تكون على حساب المصالح العليا لبلادنا.. بكل تأكيد أن أسلوب المواجهة يختلف بين اسبانياوالجزائر، وذلك بسبب إختلاف طبيعة الصراع وحجم كل طرف ، لقد اختارت الصين مثلا معالجة هادئة لهونكوك وماكاو، والمغرب انخرط في إستراتيجية محكمة ببعدها الاقتصادي لمواجهة قضية سبتة ومليلية، وبدأت هذه الإستراتيجية تعطي أكلها ،وكذلك فعل عندما حقق اختراقا في الوضع الجامد لقضية الصحراء المغربية عندما ألقى بحجرة كبيرة إسمها الحكم الذاتي في البركة الأسنة للجزائر والبوليساريو، إنه من الخطأ الإنجرار وراء شعارات وحماس بلا نتائج، وعلينا أن نستحضر بأننا نواجه في حالة الصحراء النظام الجزائري، بينما في قضية سبتة ومليلية فإننا نواجه أغلبية الشعب الإسباني الذي تعرض لغسيل دماغ لقرون طويلة، فماذا نختار؟ الحكمة أن لانواجه الجميع في وقت واحد ، فالموت وحده يأتي دفعة واحدة .. [email protected]