لمصاحبة التجربة الروائية للكاتب العراقي نجم والي، يحتاج المرء لكثير من التريث والتفكير والتنبّه للإشارات والألغاز المختلفة التي يبثها بالحرية نفسها، وعلى طريقة الشاعر، في نصوصه، قبل الارتكان إلى الفرضيات التي قد تكون لها سلطة الحسم في الدخول إلى عوالم رواياته والإنصات لنبض الشخوص التي يختلقها، أو بتعهّد التعرّف على مصائرها وتحولات أحلامها في عوالم مقذوفة فيها عارية من أية رعاية يمكن أن تحمي ظهرها من المضايق والمحن الرهيبة. ومع أن إحاطتي بمتن هذه التجربة السردية المتميزة، لا تتعدى ثلاثة نصوص هي: «تل اللحم» و»صورة يوسف» و»ملائكة الجنوب»، من مجموع خمسة نصوص روائية تكون حصيلة ما راكمه الكاتب خلال تجربته في ممارسة الكتابة السردية التي تزيد عن العقدين بالمقياس الأفقي، ويتعلق الأمر هنا برواياته: «الحرب في حي الطرب» (1989 - 1993)، «مكان اسمه كميت» (1997)، «»تل اللحم» (2001)، «صورة يوسف» (2005) و»ملائكة الجنوب» (2009)، فإني أزعم أن عالم نجم والي حافل بالمشاعر والاختلافات والرؤى والأفكار حدّ أن يعجز القارئ عن حصره في أنساق دلالية بعينها. فمعرفته الواسعة بالأدب العالمي خاصة الأدب الألماني، وتأثره بالمبدعين الكبار، والبناء المفكر فيه للسرد، يكسب تجربته أفقا خاصا، تنتشي فيه بالانفتاح على ممارسات كتابية متنوعة والمؤاخاة بينها، لكنها تظلّ مشدودة إلى حضن الرواية كجنس أدبي، مبحرة في جاذبية المتخيل وعلاماته ورموزه الناضحة بالدلالة، وهذا ما يوفر لها القدرة على التمنع والتأبّي عن التأويلات النهائية أوالجامعة، أي تلك التي تقدم نفسها كما لو أنها نسق غير قابل للمساءلة. لنقل إنها نصوص مفتوحة لا تكفّ عن رفع التحدي أمام القارئ، بما تحدثه من أوقاع جمالية واستكشافات فكرية وذهنية قوية في شعور الأبطال وتذكراتهم، وفي جوانب مختلفة من زمن التجربة العراقية بأحلامها وأوجاعها ومفارقاتها.