في أعقاب المناظرة التلفزيونية الأولى بين مرشحي الرئاسة الأميركية , الجمهوري جون ماكين , والديمقراطي باراك أوباما, تناولت الصحف الأميركية بالتحليل والتمحيص ومحاولة إبراز الهفوات في رؤية هذا المرشح أو ذاك من قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي ، وكذلك الاقتصاد الذي فرض نفسه وإن لم يكن مقررا أصلا. المناظرة الأولى فتحت عنوان «المناظرة الأولى» , أكدت صحيفة «نيويورك تايمز »في افتتاحيتها أن توقيت هذه المناظرة لا يمكنه أن يكون أفضل من الوقت الذي تمت فيه, وبررت ذلك بقولها «كنا نخشى -قبل هذه المناظرة- أن تختفي مسألة اختيار رئيس جديد للولايات المتحدة في ضباب الهجمات الدعائية الصبيانية رغم ما تمر به الولاياتالمتحدة من مخاطر محليا ودوليا». ورغم أن المناظرة الأولى ، من أصل ثلاث مناظرات , تم الترتيب لها بين المرشحين كانت مخصصة للسياسة الخارجية, فإن الأزمة المالية التي تمر بها الولاياتالمتحدة فرضت نفسها في جل النصف الأول من 90 دقيقة التي كانت هي المدة الإجمالية للمناظرة, حسب صحيفة «يو.أس.أي توداي.» نفس الصحيفة أضافت أن المرشحين اتفقا على تحديد المشاكل التي تواجهها أميركا في ثلاث مسائل أساسية هي: ترنح اقتصاد البلاد ، وتلطخ سمعتها عالميا ، وتعرضها المستمر للتهديد الإرهابي. غير أن أوباما وماكين استماتا في محاولة كل منهما إظهار نفسه على أنه الشخص الأنسب للتصدي لهذه المشاكل, مستعرضا سجله وطريقة حكمه على الأشياء دليلا على قدرته على إجراء الإصلاحات اللازمة لتصحيح المسار السياسي للولايات المتحدة. ولم تر صحيفة «واشنطن بوست» فرقا جوهريا بين المرشحين فيما يخص السياسة الخارجية خلافا لما يعتقده كثير من الناخبين. بل قالت إن لديهما نفس الأفكار تقريبا حول مسألة احتواء البرنامجين النوويين لإيران وكوريا الشمالية وحول كيفية الرد على عدوانية روسيا اتجاه جيرانها, وكذلك بشأن الحرب في أفغانستان ومسلسل السلام بالشرق الأوسط. ولا تتوقع الصحيفة أن يبتعد أي منهما في تعامله مع القضايا المذكورة عن السياسة التي سيرثها عن الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش. أما صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» فقالت إن المناظرة الحالية كان يفترض أن تصب في صالح ماكين لأنه يوصف بأنه الأفضل فيما يتعلق بالسياسة الخارجية, إلا أن أوباما استطاع تقليص تلك الحظوظ بتجنبه لجل لكمات خصمه وتجاهله لبعضها وتركيزه على خطأ الحرب على العراق وتأثيرها السلبي على «حرب الإرهاب». مهمات واضحة وفي تحليل له في «واشنطن بوست «, أكد دان بالز, أن أوباما وماكين جاءا إلى مناظرتهما الأولى وقد حدد كل منهما مهمة واضحة, فالجمهوري يريد وصم غريمه بأنه ساذج وقليل الخبرة, أما أوباما فكانت مهمته مزدوجة, وهي دحض اتهامات ماكين في هذه الجبهة ، وربط منافسه بالسياسات الفاشلة لإدارة بوش على المستويين المحلي والدولي. ورغم أن بالز أقر بأن المناظرة احتوت على مبادلات جيدة, فإنه أكد أنها لم تصل الدرجة التي تمكنها من تغيير مسار السباق الرئاسي, فكلا المرشحين حصد نقاطا لصالحه ، إلا أن أيا منهما لم يتمكن من أن يظهر فوزا جليا على خصمه. واتفقت «لوس أنجلوس تايمز «مع هذا الرأي, فقالت إن الجمهوريين أصروا على أن تكون المناظرة الأولى بين الرجلين حول السياسة الخارجية والأمن القومي أملا منهم في أن يوجه ماكين ضربة قاضية لغريمه , وهو ما لم يحصل, بينما قبل الديمقراطيون بذلك أملا منهم في أن يحقق مرشحهم مكاسب على أرضية يحاول الجمهوريون دائما تقديم أنفسهم على أنهم الأفضل فيها. وربما يعود عدم حسم المعركة ، حسب «نيويورك تايمز»، إلى تفادي كلا المرشحين الخوض في التفاصيل كما ينبغي. حرب العراق ولئن كانت الأزمة المالية أخذت حيزا مهما من وقت المناظرة ، فإن الجدل حول الحرب على العراق, تميز بالحدة بين الرجلين, فنأى أوباما عن قرار شنها ، ووعد بإنهائها إن ترأس, بينما أصر ماكين على النصر فيها قريبا, وأن الأمور تسير نحو الأفضل في العراق. وتعليقا منها على موقف ماكين , قالت «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها إنه لمن المؤسف أن نكتشف أن ماكين لم يتعلم أي شيء من الحرب الكارثية في العراق, إذ لم يقتصر حديثه على التقدم الذي حصل بالفعل هناك , ولا على أهمية زيادة القوات في تحقيق ذلك, وإنما تجاوز ذلك كله ليتحدث عن تحقيق النصر في العراق بدلا من الكشف عن خططه للانسحاب المسؤول والمشرف من هذا البلد, كما أنه أصر على رفض الاعتراف بأن قرار غزو العراق كان خطأ فادحا. وفي المقابل , يرى مايكل روبن, الباحث في معهد «أميركان إنتربرايز «, أن آراء أوباما في السياسة الخارجية خطيرة وغير عملية. ويضرب مثالا على ذلك قول المرشح الديمقراطي إنه مستعد للتفاوض مع الرئيس الإيراني أو الكوري الشمالي إذا كان ذلك سيحمي مصالح الولاياتالمتحدة. غير أن روبن يذكر أوباما بأن مشكلة إيران وكوريا الشمالية ليست في قلة المفاوضات, وإنما في كثرتها, حسب تعبيره. ويشير في هذا الإطار إلى أن إيران بنت مفاعلها النووي في الوقت الذي كانت تشارك فيه في حوار حضارات مع الغرب خلال حكم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي.