حذر الكاتب سيليغ هاريسون من تلاشي احتمالات تحقيق القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) نصرا عسكريا في الحرب على أفغانستان، في ظل تزايد الضغوط للانسحاب وتركز الجدل في الأوساط الأميركية على إمكانية التفاوض مع حركة طالبان على شروط فك الاشتباك دون أن يشكل ذلك هزيمة إستراتيجية. وبينما يرى المؤيدون لبقاء القوات الأميركية في أفغانستان أن سيناريو فك الاشتباك يعادل الاستسلام لطالبان, يرى الكاتب -وهو مدير برنامج آسيا في مركز السياسة الدولية- أن ثمة حسابات إستراتيجية للخروج من البلاد من شأنها الإبقاء على احتواء نفوذ طالبان بعد خروج القوات الأجنبية. وأشار هاريسون -المؤلف المشارك لكتاب الخروج من أفغانستان- إلى أن هناك عددا من القوى الإقليمية المجاورة في المنطقة والمهتمة بمستقبل أفغانستان مثل روسياوإيران والهند والصين وأوزبكستان وطاجيكستان، تشارك الولاياتالمتحدة في هدفها المتمثل في محاولة منع عودة ما وصفها بديكتاتورية طالبان إلى كابول. وأضاف أن باكستان هي الوحيدة التي ترغب في عودة طالبان إلى الحكم ، وهي التي ساعدت في تشكيل وبقاء نظام طالبان الذي حكم من الفترة 1996 إلى 2001. وأوضح أن كلا من إيرانوروسيا والهند لعبت دورا رئيسا في مساعدة القوات الأميركية للإطاحة بنظام طالبان عام 2001, ، وأن كلا من الصين وطاجيكستان وأوزبكستان تخشى من أن تشكل عودة نظام طالبان دعما لمن تصفهم بالمتمردين الإسلاميين داخل حدود تلك الدول. ومضى إلى القول إنه بينما تواجه موسكو القوات الإسلامية الوليدة في جنوبروسيا, تخشى الهند من أن تؤدي عودة طالبان إلى زيادة وتأجيج «الإرهاب» الذي يتخذ من باكستان مقرا له, مضيفا أن نظام الحكم الديني الشيعي في إيران يخشى من أن تساعد عودة نظام طالبان حركة جند الله الإسلامية الانفصالية في ولاية بلوشستان الإيرانية و»المتطرفين السلفيين» في مناطق أخرى. وبينما تواجه طاجيكستان خطر المنظمات الإسلامية السنية «المتشددة» بزعامة حزب التحرير، إضافة إلى قلاقل متزايدة بسبب تدفق المهاجرين الأفغانيين إليها والتي يمكن أن تزداد في حالة عودة طالبان للحكم, تشعر الصين بالقلق والانزعاج ممن أسماهم الانفصاليين الإيغور في إقليم شينغيانغ. وقال الكاتب وهو -مؤلف كتاب داخل ظلال أفغانستان- إن الحسابات واضحة جدا بحيث أصبحت «الدبلوماسية الإقليمية» كلمات رنانة في المناقشات بشأن أفغانستان, ففي مارس 2009 ، اقترحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، مؤتمرا إقليميا يمكن أن يشمل إيران, أما وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسينغر فطالب بدعم دبلوماسي للدول المجاورة لأفغانستان التي قال بأنها سوف عرضة للخطر أكثر من الولاياتالمتحدة بسبب بروز أو وجود ما أسماها قاعدة «للإرهاب الدولي» في أفغانستان. في المقابل ، يرى هاريسون أن تلك الحسابات تحمل في طياتها مضمونا مفاده أن الولاياتالمتحدة ستبقى تتولى القيادة في أفغانستان، في حين أن الجيران الإقليميين لا توجد لديهم رغبة في إضفاء الشرعية على وجود قوات أميركية دائمة في البلاد، وخاصة القواعد الجوية الأميركية التي تستخدم لمهمات التجسس والاستطلاع في مناطق من أفغانستان محاذية للحدود الروسية والصينية والإيرانية. ومن وجهة نظر الولاياتالمتحدة وحلفائها, فإن اتفاقية لتحييد أفغانستان برعاية الأممالمتحدة، يجب أن تشمل حظر استخدام طالبان للولايات الأفغانية مكانا لنشاطات «إرهابية»، وكذلك تشمل وضع قيود وحدود على حجم وطبيعة المليشيات المحلية التابعة لطالبان واستبعاد تطوير القواعد الجوية المحلية، في الوقت الذي تكون لكابول السيطرة الحصرية على المجال الجوي، علما أنه يمكن محاربة استخدام طالبان للولايات كقواعد «للإرهاب» كما أن تقاسم السلطة لا يعني تفكك الدولة الأفغانية. وقال الكاتب إنه من المرجح أن تقوم دول الجوار باستيعاب وجود طالبان في أفغانستان ، وأن تقوم الهند والصين وكذلك روسيا بالمساهمة في إعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب. وأشار إلى أن العقبة الكبرى أمام الاتفاق المحتمل تتمثل في أن أوساطا في البنتاغون ترى في الحفاظ على القوة الأميركية غاية بحد ذاتها في أفغانستان، وخاصة القواعد الكبرى، وعليه فإن مسؤولي البيت الأبيض والبنتاغون يتحدثون عن مدخل دائم يضمن استخدام تلك القواعد لعمليات الاستطلاع الاستخباراتي. وخلص الكاتب إلى القول إنه لعل القضية الرئيسية تتمثل في أن على الرئيس الأميركي باراك أوباما البحث في مستقبل القواعد الجوية, وأما السؤال الأكبر فيتمثل فيما إذا كانت الولاياتالمتحدة ستستخدم أفغانستان من أجل تحقيق المزيد من أهدافها العالمية بعد أن يكون كل من تنظيم القاعدة وحركة طالبان نسيا منسيا. وإلى أن يوجد الحل لقضية القواعد الأميركية، فلن يكون من الممكن وجود تغطية دبلوماسية لفك الاشتباك الأميركي في الحرب على أفغانستان.