كالمعتاد مع حلول هذا الشهر الكريم شهر رمضان، تدب الحركة في كبريات أسواق مدينة الدارالبيضاء، استعدادا لاستقبال الزبائن وتوفير كافة متطلباتهم الاستهلاكية. إذ لا تكاد تدق الساعة العاشرة صباحا حتى يستعد باعة متاجر القيساريات سواء كان دلك في الحي المحمدي بمحافظة عين السبع والحي الحسني ودرب السلطان ودرب عمر، الذي يعد أحد أكبر واهم أسواق الجملة بالمدينة لاستقبال الزبائن، وذلك بدءا بتصفيف بضاعتهم المختلفة كالتمور مثلا التي تعرض مصففة على شكل هرم وقد دهنت لتصير لامعة حتى يسيل لها لعاب الصائم، ذلك إلى جانب البضاعات الأخرى التي يلعب فيها العرض دورا مهما من دون شك كحافز في المبيعات. وتمتد منافسة السلع المهربة للسلع المصنعة محليا أو تلك المصدرة بشكل قانوني، إلى أغلب المواد الغذائية، في أسواق مدينة الدارالبيضاء، ذلك شان عصير الفواكه الأسبانية، التي يبلغ سعرها 8.5 درهم والتي تعرف رواجا منقطع النظير و هكذا تجد السوق يعج بمواد استهلاكية لا يكاد المواطن يميز بين الصالح والطالح منها وقد بهرته بهرجة التلافيف، والعرض ولكل تاجر مهارته في الإيقاع بالزبون والوصول إلى جيبه. أما باعة الفواكه على ظهر عربات يدوية، تجدهم رغم كل الظروف القاسية لا يتراجعون عن مزاولة لعبتهم المفضلة أي لعبة الفأر والقط مع الدوريات، وهو صراع محتدم يذهب ضحيته قي الأخير الزبون، دلك أن ما يدفعه البائع لرجال الأمن باليمنى يسترجعه باليسرى من المواطن المقهور، فالميزان يخضع غالب الأحيان للعبة، وأنت وحظك مع دسائس صاحب السلعة، فقد تصل في الأخير إلى منزلك لتكتشف بأن الفاكهة التي دس بها في كيسك لا تشبه تلك التي اخترتها بنفسك، ذلك أن البائع قد غير الكيس الأصلي بآخر أقل جودة.ناهيك عن التجاوزات التي تمس أنواع الفطائر والحلويات وزيت الزيتون والعسل الذي لايتشابه ما في أعلى الوعاء مع ما يوجد في قعره.أما ما يمكن أن يحدث لك مع الذبيحة السرية فحدث ولا حرج . ومع ذلك فالزبون في اغلب الأحيان لا يكترث فالجوع أعمى. فما أن يؤذن المؤذن معلنا موعد الإفطار حتى يسارع الصائم إلى المائدة وكأنه وسط حلبة مصارعة لكي يلتهم ويقضم كل ما لد وطاب حتى يعوض ما فاته طوال النهار وكأنه في صراع مع خصم عنيد و من دون أن يكترث حتى لما قد يصيبه من جراء ذلك.الشيء الذي يرغمه فيما بعد إلى نوع آخر من الاستهلاك الذي يعرفه شهر رمضان والدي يمكن تسميته بالمناسبة «الاستهلاك المضاد.» حيث غالبا ما يقبل الصائم على شراء الأدوية المساعدة للهضم من الصيدليات في رمضان. ولهذا يرى بالمناسبة بعض الصيادلة أن الإصابة بمشاكل الهضم ترتفع في هذا الشهر بسبب الإفراط في الأكل وتنوع الوجبات الغنية بالمواد الدسمة والمحضرة بالتوابل المسببة لعدة أمراض. وهذا، ادا أخذنا بالاعتبار أن شهر رمضان هو قبل كل شيء عطلة للجهاز الهضمي، غير أن موائد الإفطار تزخر بالكثير من الوجبات التي قد تحول ارتياح المعدة والأمعاء إلى عناء يسبب هضم الكميات الهائلة من المواد الدسمة، والتي يترتب عنها حالة تخمة تشكل خطرا على صحة الأشخاص المصابين بقرحة المعدة وعسر الهضم أو «سوء الهضم». حيث إن» سوء الهضم « كلمة شائعة بين المواطنين وتشمل عدداً من الأعراض التي تعقب تناول الطعام، وتشمل الألم البطني، وغازات البطن، والغثيان، وعدم الارتياح في أعلى البطن، وخاصة عقب تناول وجبة ثقيلة، أو بعد تناولها بسرعة، أو بعد تناول طعام غني بالدسم والتوابل التي تعتمد عليها الأكلات المغربية. كل ذلك ونحن نعلم أن القصد من الصيام وشهر رمضان مع ما في ذلك من اجر وكفارة للذنوب فهو في الأخير درس في الحمية لمن يستوعب الدروس. وهو اكتشاف استبق به الإسلام كشوفات العلم الحديث والأطباء. لكن الظاهر أننا للأسف نصر دوما على أن نعكس الآية و بعدها يأتي غيرنا يستفيد مما أغفلنا عليه ثم يعيد عرضه علينا ولو بصيغة أخرى نفس البضاعة لكي نجد في الأخير أن بضاعتنا ردت إلينا لكن بشروط ونتائج أخرى. هذا وكل عام وانتم بخير.