ترأس أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، عشية الخميس بالقصر الملكي بالدار البيضاء،درسا دينيا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية. وألقى الدرس،بين يدي جلالة الملك،السيد سعيد عقيل سراج،رئيس جمعية نهضة العلماء بأندونيسيا،تناول فيه بالدرس والتحليل موضوع « رعاية الدين والملة في الدول الديموقراطية» انطلاقا من قوله تعالى «لا إكراه في الدين ،قد تبين الرشد من الغي ،فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم» صدق الله العظيم. وتطرق المحاضر في مستهل الدرس إلى تقرير حرية الاعتقاد وتعدد الأديان من المنظور الإسلامي،مشيرا إلى أنه ثبت بالقرآن الكريم والسنة النبوية والتجارب التاريخية أن تعدد الناس في الخلق والعرق والشعب والدين أصبح سنة من سنن الله الخالدة التي لا وسع للإنسان في تغييرها وتبديلها مصداقا لقوله تعالى « ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم». وأبرز أن التعددية وحرية الاختيار مع كل عواقبه شيئان لا تنفك عنهما حياة الإنسان،مؤكدا أن الإسلام جاء لا لمحو هذه التعددية بل لتقريرها وبيان عواقب اختيار الناس في كل شيء من خير أو شر،وهو ما ينطبق على التعددية في الأديان التي قررها القرآن في آيات كثيرة. وأكد المحاضر أنه ليس من مهمة الإسلام في شيء أن يكره الناس على التدين به،وإنما مهمته أن يبين لهم الصراط المستقيم ويخرجهم من الظلمات إلى النور،بحيث يهمه أن يعتنقه الناس عن قناعة راسخة في القلب لا عن إكراه واضطرار. وأضاف أنه إذا صح أن تعدد الأديان يعتبر من قبيل ما لا بد منه وأمرُ الاعتقاد موكول إلى حرية اختيار صاحبه،فإن مهمة الدولة لم تكن إلا ضمان الأمن العام وحرية أهل الأديان المختلفة في أداء شعائرهم الدينية،مؤكدا أن ذلك ينطبق على الدول التي فيها تعدد ديني تاريخي لا على إدخال أديان جديدة لأغراض لا تخدم الدين. كما أشرف جلالة الملك محمد السادس ، يوم الخميس بالمحمدية، على تدشين مقر مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف ، كما زار جلالته مطبعة فضالة بعد إصلاحها وإعادة تجهيزها، وهي المشاريع التي تطلبت تعبئة استثمارات مالية تناهز 87 مليون و700 ألف درهم. وبعد قطع الشريط الرمزي وإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية، قام أمير المؤمنين بجولة عبر مختلف مرافق المؤسسة التي أحدثت تنفيذا للأوامر الملكية السامية (الظهير الشريف رقم 1/09/198 الصادرفي 8 ربيع الأول 1431 موافق 23 فبراير 2010، وتضطلع حصرا بمهمة العناية بكتاب الله عز وجل تسجيلا وطبعا ونشرا وتوزيعا مع كل ما يقتضيه ذلك من سهر على ضمان استمرار ضبطه ورسمه وقراءته بكامل الدقة والأمانة. كما أسند لمؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف اختصاص منح الترخيص بطبع وتوزيع المصاحف الشريفة الرائجة داخل المملكة صونا لها من كل خطإ أو تحريف. ويتكون الهيكل الإداري للمؤسسة من «مجلس إدارة» يختص، أساسا، بتحديد توجهاتها العامة واعتماد القرارات الضرورية لتنفيذها والمصادقة على برنامج عملها السنوي، و» هيئة علمية» تتمثل اختصاصاتها، على الخصوص، في الإشراف، من الوجهة العلمية والفنية، على إنجاز العمليات المتعلقة بنسخ المصحف الشريف وطبعه وتسجيله على مختلف الدعائم المتعددة الوسائط. وتجسد مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف، مظهرا آخر من مظاهر العناية الموصولة التي يحيط بها أمير المؤمنين كتاب الله عز وجل وذلك سيرا على نهج أسلافه المنعمين. ويعزز هذا الصرح الديني الهام الرصيد الزاخر بالمنجزات والمبادرات الرائدة والأصيلة التي شملت الحقل الديني في عهد جلالة الملك، كما يعكس الرعاية والتكريم اللذين يخص بهما أمير المؤمنين أهل القرآن وحفظته والتي من تجلياتها الواضحة الاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم للناشئة بالكتاتيب القرآنية وتدريسه في المدارس والمعاهد وقراءته في بيوت الله ونسخه وطباعته وتوزيعه في مختلف الأمصار وكذا إحداث العديد من الجوائز ومنها جائزتي محمد السادس الوطنية والدولية في حفظ القرآن الكريم وترتيله وتجويده وجائزة محمد السادس لأهل القرآن وجائزة محمد السادس للكتاتيب القرآنية ...). وإلى جانب بناء المقر، وحتى تنهض هذه المؤسسة بمهامها الجليلة تم إصلاح ورشة ومكاتب المطبعة التابعة لها وتجهيزها بأحدث آلات الطباعة وصناعة الكتب. وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمطبعة، التي قام أمير المؤمنين بزيارتها، مليون نسخة من المصحف المحمدي الشريف سنويا ستوزع على مساجد المملكة كما سترسل نسخ منه، بالقدر الكافي، إلى مساجد الجالية المغربية المقيمة بالخارج ومساجد الدول التي تعتمد رواية ورش ولاسيما الدول الإفريقية. وتعد مطبعة فضالة، التي تأسست سنة 1949، من أقدم المطابع العصرية بالمغرب وقد أضحت في بداية الستينات مؤسسة وطنية خالصة بعد أن اقتنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مجموع أسهمها لفائدة الأوقاف. وتشمل التجهيزات المطبعية المقتناة لطباعة المصحف الشريف ثلاث آلات للطباعة وآلات للقطع وأخرى للتلصيق والخياطة وآلات لصنع وتذهيب الغلاف وآلة لتذهيب حاشية المصحف وسلسلة أوتوماتيكية لصناعة الكتاب.