لقد تعذر علينا في الأسبوع الماضي التواصل مع قراء العلم من خلال حديث الجمعة، ونعود اليوم لاستئناف الكلام مع أحد قادة الحركة العلمية والأدبية والفكرية والوطنية بالبلاد ألا وهو العلامة المرحوم الأستاذ عبد الله كنون وذلك من خلال نخبة من الرسائل التي تلقاها من مختلف الشخصيات الوطنية والعربية والإسلامية وذلك تعريفا بهذا الجانب من جوانب شخصية الفقيد المتعددة الاهتمامات والمتنوعة في مجال العمل والانجاز. في الحديث الأخير من حديث الجمعة استعرضنا مواقف بعض العلماء السياسية والاجتماعية وكذلك أحداث الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التأسيسي لرابطة علماء المغرب والنداء الذي صدر عن هذا المؤتمر إلى الشعب المغربي وانتخاب الأمين العام والمكتب الأعلى المسير للرابطة. بين الرابطة والألقاب العلمية السابقة: واليوم سنعود للحديث عن مسار هذا الرجل الذي انتخب أمينا عاما للرابطة أعني مساره الوطني قبل أن يأخذ المكان الأول أو الصدارة في جمعية هي أول جمعية رسمية من نوعها في المغرب، لقد عرف المغرب المشيخة ومنصب الإفتاء وشيخ الجماعة وشيخ الإسلام وغير ذلك من الألقاب التي كانت متداولة في المجتمعات الإسلامية، ويطلقها بعض الناس على وجه التقليد عندنا ولكنها لم تأخذ صفة رسمية في المغرب إلا أن هذا اللقب وهذا التنظيم شيء جديد في المجتمع المغربي المسلم وإذا كان هذا حصل بعد الاستقلال والناس لا يزال لسانهم رطبا بالحديث عن الوطنية والخيانة وغيرها من الألفاظ أو الألقاب التي كان الناس يتداولونها فيما بينهم فإن هذا السياق يفرض ان يختار من بين الناس من كان أهلا ومن لا يستطيع أحد ان يلمزه او ينال من مكانته العلمية والدينية والوطنية، وفي نفس الوقت ليست له مسؤولية قيادية في حزب من الأحزاب وهكذا وجد الناس في هذا الرجل الإنسان الذي تتوفر فيه هذه المواصفات وهذه الأخلاق الوطنية العالية فكان هو المرحوم عبد الله كنون. الإنتاج في هدوء ونكران ذات: وإذا كان الناس يتحدثون عن مناقبهم ومواقفهم الوطنية فان الرجل كان من التواضع ومن نكران الذات ما يجعله غير عابئ بذكر شيء من ذلك وإنصافا للرجل فإننا سنخصص هذا الحديث لإيراد بعض المواقف الوطنية للرجل من خلال مكاتبة القادة الوطنية له. لقد كان العلامة عبد الله كنون كما أسلفنا في حديث من هذه الأحاديث شاهد عيان على فرض الحماية على المغرب، كما كان أحد الطلبة العلماء الذين ساعدهم الحظ وساهموا في النهضة الفكرية والعلمية في بلادنا وفي العالم العربي فعُرف منذ شبابه الأول بنظم الشعر وكتابة المقالة كما عرف بأبحاثه التاريخية والتنقيب عن أعيان الأدب في المغرب شعرا ونثرا وقد كان القادة من جيله ورفاقه على هذا النحو، ولكن الظروف واتته أكثر من غيره لينتج ويكتب نظرا لبعده عن يد الاستعمار الفرنسي نوعا ما لأن يد الحماية لم تكن لها نفس القدرة على المنطقة الدولية « طنجة « كما كانت لها على غيرها من مناطق المغرب التي كانت تحت نفوذها وهكذا كان الرجل يقوم بدوره الوطني والعلمي والثقافي في نوع من الهدوء أكثر من غيره. الرجل مقصد الباحثين والدارسين: وقد تحدث الكثيرون أو كتبوا عن إنتاج الرجل في المجالات التي تناولها وهي واسعة جدا فهو شاعر وناثر وباحث وناقد وفقيه ومؤرخ وكل هذه الاهتمامات أبدع فيها وترك أثرا مهما أغنى به الثقافة المغربية والثقافة العربية والإسلامية وهذا الدور الإغنائي للفكر والثقافة جعل الكثير من الباحثين عربا وغيرهم يقصدونه ويحاولون استطلاع ما عنده كما يستنيرون بتوجيهاته في أبحاثهم في الأدب المغربي أو الأندلسي ونجد في كثير من مراجع ومصادر الأدب الحديث الإشارة إلى هذا من لدن الكثير من الباحثين كما نجده هو بدوره يشير إلى هذا في بعض كتاباته ان هذا الدور تناوله الناس بحثا ودراسة وان كان لا يزال فيه الكثير مما يقال لأن غزارة إنتاجه وتنوعه وعدم نشره كاملا يتطلب كل ذلك مواصلة الجهد والبحث والدراسة ومن الجوانب التي لم تنشر ولم تدرس مراسلات الرجل مع الكثير من الأدباء والقادة والزعماء والمفكرين لم تنشر، ونلحظ ذلك من خلال مجموعة من الرسائل التي تلقاها والتي جمع بعضها الأستاذ عبد الصمد العشاب محافظ مكتبة عبد الله كنون ونشرها والتي أشار من خلال تبويب الرسائل إلى غناها وتنوعها. وقد تفضل أحد الإخوة فأرسل إلي هذه المجموعة من الرسائل التي تلقاها المرحوم من مختلف الشخصيات مضمنة في كتاب بعنوان »في قلب الحركة الوطنية« وبينما كنت أتصفحه إذا بالبريد يحمل إلي نسخة من الكتاب وهذه المرة من مدير المؤسسة الأستاذ مصطفى الريسوني وله وللأخ عبد القادر الإدريسي الشكر على هديتهما. مضمون الرسائل: إن الكتاب يتضمن مجموعة من الرسائل التي تلقاها المرحوم كما قلت على امتداد الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي يدءً بما أرسله له الأمير شكيب أرسلان ومختلف القادة والزعماء الوطنيين المغاربة وغيرهم. ويمكن تصنيف هذه الرسائل إلى رسائل اخوانية أدبية وإلى أخرى تتعلق بتنظيمات الندوات العلمية والأدبية وإحياء ذكريات مشاهير. وأخرى طلبات وطنية وتكليف بمهام وطنية وهي كلها تتناول موضوع العمل الوطني في جوانبه المتعددة ولا شك أن دراسة هذه الرسائل ومختلف الشخصيات الوطنية أو العربية الإسلامية التي بعثت بها يتطلب مجالا أوسع ووقتا أكثر ولذلك فإننا سنتاول بعض النماذج فقط، ففي الكتاب رسائل من شكيب أرسلان ومن علال الفاسي ومن بن الحسن الوزاني ومن عبد الخالق الطريس ومن محمد داوود وعبد السلام بنونة وولديه الطيب والمهدي ومن المجاهد أبي بكر القادري وغيرهم. رسالة من مصالي الحاج والثورة الريفية وإذا كان الكتاب قد صدر برسالة من الأمير شكيب ارسلان للمرحوم الأستاذ عبد الله كنون فان هناك من الرسائل الأخرى من حيث تاريخ الإرسال ما هو سابق على رسائل الأمير شكيب أرسلان، ولا بأس هنا من الإشارة إلى ما ذكره المرحوم عبد الله كنون حول زيارة الأمير لمنطقة الشمال حيث صادفت هذه الزيارة وجود المرحوم ذ عبد الله كنون في مدينة فاس والمغرب يعيش أحداث الاحتجاج على ظهير16 مايو 1930 وعلى أي حال فان أقدم رسالة في المجموعة هي التي بعثها له مصالي الحاج عند تأسيس جمعية (نجم الشمال الإفريقي) والتي يطلعه فيها على الأهداف النضالية للجمعية، وهي بتاريخ 1928 دون الإشارة إلى الشهر واليوم والتي جاء فيها: أيها الأخ العزيز لقد أصبح من الواجب علينا منذ تأسست جمعيتنا هذه إظهار الحزم الكبير الذي لا يعرف الملل والفتور في الأعمال ونعني الجهاد في سبيل الغاية السامية التي يحيا الإنسان لأجلها ألا وهي حريته الفطرية الضرورية لحياته السعيدة الحقة وكل وطني مغربي مراكشيا كان أو تونسيا أو جزائريا يشعر ولا شك بميل متزايد إلى كل من يشاركه الألم والإرهاق وبأمس الحاجة إلى الانضمام إلى أخيه في الدين والوطن والجنس واللغة والضيم الذي يؤثر في النفوس أسرع وأكثر من سواه. فجمعيتنا نجم الشمال الإفريقي أسست لتمتين تلك الروابط المقدسة التي تربيط بين قلوب المغربيين بلا استثناء وخصوصا لتشجيع هؤلاء على مناضلة الظالمين الذين يسومونهم ألوان العذاب ومواصلة الجهاد في سبيل استقلال بلادهم استقلالا سياسيا واقتصاديا لا تسعد الأمة التي تتنعم بأحدهما دون الآخر.ونحن نكتب لكم اليوم لإحاطتكم بالسبب الرئيسي الذي دفع الرجال الأحرار من أبناء الشمال الإفريقي المصلحين لإيجاد جمعية مثل هذه وذلك السبب هو الحرب الريفية التي زرعت بذور الأمل في قلوب المواطنين الإفريقيين إذ كانوا يرون نجاحهم واستقلال أقطارهم في فلاح الريفيين وإبقاء حريتهم لكن لما تسرب الانحلال إلى صفوف الإخوان الريفيين بعد جهادهم الطويل اتفق أحرار البلاد المغربية على أن سبب هذا الفشل هو عدم وجود التضامن بين سائر أعضاء الجسم الواحد أي بين الريفيين وبقية سكان الشمال الإفريقي ومن ذلك الوقت أخذوا على عاتقهم أحداث كتلة تضم ما شتتته مطامع الاستعمار وأعماله الفظيعة الشنيعة فلم يجدوا وسيلة لذلك أقوى من تأسيس جمعية نجم شمال إفريقيا التي أخرجت لحيز الوجود أمورا عديدة منها: ويذكر بعد ذلك أمورا منها تكوين فروع في فرنسا وضرورة تأسيس الأحزاب والجمعيات من الوطنيين الذين يسعون للحصول على استقلال المغرب العربي أو الشمال الإفريقي. وبالتأمل في هذه الرسالة التي جاءت من عند مصالي الحاج وفي الرسالة التي بعث بها الزعيم علال في خريف 1928 للشيخ محمد داوود والتي يؤكد فيها تأسيس حركة لها فروع في جل مدن المغرب وتسعى لنيل الاستقلال، نجد أن شعور المناضلين المغاربيين والذي ساهمت الثورة الريفية في بلورته كان شعورا واحدا لأن هذه الروح الوطنية الاستقلالية هي نفسها التي حركت المرحوم عبد العزيز الثعالبي من تونس. ان الحركة منذ اليوم الأول سواء على مستوى المغرب أو الجزائر أو تونس كانت تسعى للاستقلال ولتوحيد الشمال الإفريقي. شكيب أرسلان يسأل عن الحركة الوطنية: وبعد هذه الرسالة نرجع إلى ترتيب الرسائل من طرف محقق ومخرج الرسائل لنجد رسالة أولى من الأمير شكيب ارسلان ويتضمن الكتاب خمس رسائل في موضوعات مختلفة بعث بها المرحوم شكيب إلى عبد الله كنون ففي الرسالة الأولى، وهي بتاريخ 4 مارس 1941 نوه فيها بمجهوداته العلمية وهي أولى رسائله حسب تعليق مدير المؤسسة وفيها يستفسر كذلك عن نوع من الصمت الذي أصاب الحركة الوطنية وهذه بعض فقرات من الرسالة. حضرة الأخ العلامة الحجة المحقق سراج الأدباء في المغرب والمشرق السيد عبد الله كنون المحترم أطال الله بقاءه وأدام أنواره وأضواءه. لا تخفى علي آثاركم الأثيرة ونفثاتكم الزكية وطالما أعجبت بها وسألت الله إمتاع هذه الأمة بطول حياة صاحبها ولكن لا أتذكر أني تشرفت بشيء منكم إلا أن يكون جاء شيء حجبه عني كثير الكتب الواردة وعلى كل حال فلم أجد أمامي تأليفا لكم متوجا بعبارة إهداء باسم هذا الفقير إلى ربه إلا هذه النوبة جاء منه جزءان وعددت هذا منكم تفضلا عظيما ومقاما بوأتمونية كريما ونويت أن أقرأ تأليفكم على الأدب المغربي وأستفيد منه معارف فأتتني وعلوما جعله الله نبراسا لهذه الأمة وكشافا فيها لكل غمة آمين. تراني منقلا من هذا الموضوع إلى موضوع آخر اقتضابا ليس فيه شيء من حسن التخلص: أفلا ترون هذا السكوت التام في جميع شمال افريقية وهذا السكون المدهش حتى لا يسمع الإنسان اقل نبأة في معنى مطالبة بحق ومناشدة بإنصاف قد تجاوز الحد وزاد على كل ما كان يرجوه الخصم بل حجة في يد الغاصب على انه لم يسبق له في معاملة المسلمين أدنى ظلم وأن دليل ذلك واضح كالشمس وهو الصمت التام الذي لا يشعر المراقب معه بحركة حياة وهو لا يكون إلا من قبل من يخشى على النعمة أن تزول ... فهل يا ليت شعري كان إخواننا في شمالي افريقية راتعين في نعمة يخافون زوالها ويبسلون إلى هذا الحد عندما يتصورون ارتحالها؟ نحن نعلم ما هو يحك في صدورهم وهو أنه يجب التزام السكون التام حتى إذا استمرت سلطة الغاصب قيل له: أفلا ترى كيف عاملناك عند الضيق وكيف أمسكنا عن طلب الكثير والقليل ...الخ. فيقدر هو لهم هذه الخطة ويكافيهم عليها بإجابتهم إلى سابق مطالبهم ! إن كان هذا هو سبب هذا النوم الكافي فتكون تجربة قرن تام إذا لم تعرف إخواننا حقيقة طباع هذا الغاصب وكونه ليس على شيء من هذه الأخلاق... وان كان سبب هذا النوم هو الخوف من مجيء غاصب آخر فلا تستحق المسألة هذا العناء حتى ينتقل الناس من ربقة إلى ربقة فأجيب عن ذلك أن الخوف من استبدال سيد بسيد يزداد في هذه الحالة إذ أن الطامع في الاستيلاء متى وجد هذه الحالة اتخذ منها دليلا على أن هؤلاء الناس ليسوا من طلب الاستقلال بل ليسوا من طلب المساواة في قبيل ولا دبير وأن هذا السكوت الحالي الذي لا سكوت مثله هو حجة عليهم أنهم غير طالبين شيئا من هذا وربما كانوا خائفين أن يتبدلوا الاستقلال الذي هم ليسوا له بأهل بالحكم الأجنبي الذي يخشون أن يزايلهم فيقول لهم السيد الجديد: أنتم طلبتم الاستقلال في عهد سلفنا حتى تطلبوه في عهدنا أتظنوننا نحن أضعف شكيمة منه؟ (4-5) ونلحظ في هذه الرسالة ان الأمير شكيب يعتب على الحركة نوعا من الهدوء الذي فرضته ظروف تلك المرحلة أو لم يكن الظرف يسمح باطلاع الأمير شكيب عما يجري وان كان الأمر في الواقع فيه شيء من هذا وذاك. وفي رسالة جوابية يتساءل شكيب عن مصير رسائل بعث بها الى كل من المرحوم الحاج احمد بلافريج ومقال للمرحوم عبد الخالق الطريس وغير ذلك من القضايا التي يريد حولها جوابا من المرحوم عبد الله كنون. ونعود إلى المكاتبات الوطنية والرسائل التي تلقاها المرحوم عبد الله كنون فقد صدر مخرج الرسائل وكاتب تعاليقها برسائل الزعيم علال ثم رسائل محمد بن الحسن الوزاني ورسائل عبد الخالق الطريس وهكذا وإذا كانت الرسائل تتناول موضوع العمل الوطني فإن الرسائل المنشورة في الكتاب تظهر ان الالتزام الوطني التزام ثابت منذ البداية مع الكتلة ولكن بعد الكتلة فان ما هو منشور من الرسائل في الكتاب تظهر كذلك ان المرحوم كان متعاونا مع الزعيم علال الفاسي وجماعته أكثر من غيره حسب الرسائل ولذلك فإننا سنتكلم في هذا الحديث عن هذه الرسائل لإظهار هذا الالتزام أو التعاون مع الحزب الوطني وحزب الاستقلال بعد ذلك. رسائل علال الفاسي وقد أورد المؤلف جملة من الرسائل التي بعثها الزعيم علال الفاسي الى المرحوم في مختلف المناسبات وهي المجموعة الأكثر في الكتاب من حيث ما تستقرفه من عدد الصفحات ومن حيث العدد اذ بلغ عددها عشرين رسالة اقدمها من حيث التاريخ الرسالة الواردة عليه عام 1932. ويمكن تقسيم هذه الرسائل إلى رسائل تتعلق بقضايا أدبية وطنية وأخرى وطنية صرفة وسنحاول إعطاء بعض النماذج فالرسالة الأولى والمؤرخة في 9 يوليوز 1932 تتعلق بالدعوة للمشاركة في أربعينية شوقي يخبره فيها بأن لفيقا من أبناء القرويين قد قرر إقامة حفل عظيم بمناسبة ذكرى الأربيعين لوفاة أمير الشعراء الشاعر الخالد أحمد شوقي... لأجل هذا وذاك ولما نعلمه فيكم من الغيرة والشعور فإننا نود منكم ان تشاركوا هذه اللجنة في فكرتها السامية وتبعثوا بما جاءت به قريحتكم من نثر أو شعر« هذا ما جاء في الرسالة والذي لا نعرفه هو ماذا كان جواب المرحوم عبد الله كنون على هذه الرسائل شأن أكثر الرسائل المنشورة في الكتاب. المشاركة في نشيد العرش ونجد في الكتاب كذلك رسالة يطلب منه فيها الزعيم المشاركة في مسابقة نشيد العرش وهي بتاريخ 20 رجب 1354 - 1935 الحزب الوطني والاستقطاب ونتجاوز بقية الرسائل التي تضمنها الكتاب والتي بعث بها الزعيم علال الفاسي للمرحوم عبد الله كنون في موضوعات مختلفة ومناسبات كثيرة لنجده في الرسالة التالية يتحدث معه حول الاستقطاب للحزب الوطني ويظهر من نص الرسالة ان الزعيم علال لم يرد أن يتصرف في الموضوع في مدينة طنجة بمعزل عن التنسيق مع المرحوم عبد الله كنون فهو يخبره بما تم بينه وبين أحد الوطنيين في مدينة طنجة كما نلحظ في الرسالة التالية والمؤرخة ب 9 غشت 1937 والتي جاء فيها: أخي العلامة سيدي عبد الله تحية وسلاما دائمين وبعد، فقد زارني أمسه الأخ المحترم السيد محمد بن أحمد بعقبة الفرنصيص وتذاكر معي في ما يرجع لنشر الدعوة للحزب الوطني هناك ولم الشعب نحوه. وقد اتفقت معه على أن يجتمع بك ويكون العمل على الخطة التي تتفقان عليها. واني لأدع لكم اختيار الأفراد الذين تأنسوا منهم القوى. فعسى أن تشمروا عن ساعد الجد للعمل في هذا الموضوع وتعرفوني بما فعلتم. وختاما أقبل جبينك أخي. علال الفاسي ان التزام الأستاذ عبد الله كنون مع الحزب الوطني ربما دفع إلى طرح سؤال حول موقفه من حدث ابتعاد المرحوم محمد بن الحسن الوزاني عن الجماعة وتأسيسه للحركة القومية ان هذا الموضوع ورد حوله في الكتاب بعض المحاضر التي حررت من طرف مندوب لجنة سرية حاولت إصلاح ذات البين ولكن دون ان تصل إلى نتيجة وهذه المحاضر جاءت في الصفحة 199 وما بعدها ولكن المرحوم عبد الله كنون أدلى بشهادته في الاستجواب المنشور في الكرمل عدد 11/1984. »ع. كنون _ لا، لم يكن لها صدى، في هذه الظروف تكونت الحركة الوطنية. وحينما قام عبد الكريم كنا في عنفوان الحركة نفسيا، أنا شخصيا كنت أفكر كيف أعمل؟، لكن كنت أدري أن طنجة صغيرة. من سيعينني في طنجة؟ بدأنا نتعامل مع النواصر في الرباط، والفاسي في فاس، وداود وبنونة في تطوان. وآنذاك كاتبني علال يقول لي أنا أعلق قلبي وساما على صدرك. فينبغي أن يعرف أن الحركة الوطنية لم تخلق في مكان دون مكان آخر من المغرب. وبعد المراحل الأولى من إنشاء الحركة الوطنية، ظهرت علامات الانشقاق بين محمد بلحسن الوزاني وعلال الفاسي، وحاولنا ألا يتم ذلك، حاول محمد بلعربي العلوي الإصلاح بينهما، أرسل محمد الخامس وفدا هو الآخر، حاولنا مدة سنة أو سنتين عسى أن يلتئم الشمل، قال علال للوفد: هذه رقعة بيضاء، وما اتفقتم فيه مع الوزاني أقبل به، لكن بلحسن الوزاني أخذ يضع شروطا لم يقبلوا بها. الاحتجاج على القمع في الأطلس المتوسط واعتقال مولاي الطيب العلوي ومجموعة من الوطنيين حضرات الإخوان المحترمين تواردت على المركز العام عدة وفود من قبائل الأطلس وما يليها تخبر باضطهاد الحكومات المحلية للوطنيين حيث سجنت أزيد من 200 شخص من بينهم صديقنا العلامة رئيس فرقة الحزب الوطني بزيان الشريف مولاي الطيب العلوي ورفيقه سيدي الجيلالي النتيفي وكذلك الأخ عبد القادر الزموري بأزمور وغيرهم، فنرجوا أن ترفعوا باسم فرقتكم برقية احتجاج لجلالة السلطان وسعادة المقيم العام ووزارة الخارجية على اعتقال العلامة مولاي الطيب وسجن العديد من الوطنيين بالبادية والاضطهاد الفكري الحاصل هناك. وتفضلوا بقبول تحياتنا. والرسالة مؤرخة في 12 رجب 1856 _ 1937 مولاي الطيب العلوي مولاي الطيب العلوي المشار هو من الشخصيات الوطنية التي لعبت دورا كبيرا في الحياة الوطنية من منتصف العشرينيات من القرن الماضي وكان مدير المدرسة حرة في مدينة فاس تخرج منها أكثر من جيل من التلاميذ الذين كان لهم دور مهم في الحياة الثقافية والفكرية والعلمية والمدرسة المشار إليها هي المدرسة الحسنية بزقاق الحجر بمدينة فاس إلا أن حصل سوء تفاهم بينه وبين المسؤولين في الحزب أثناء نفي الزعيم علال الفاسي وقد دون بعض المواقف والأحداث في مذكراته التي نشر جزء منها ابنه الأستاذ الدكتور مولاي أحمد العلوي أطلسي. عبد الله كنون يهنئ الزعيم علال بالعودة ونختم هذه الرسائل التي بعثها المرحوم عبد الله كنون الى الزعيم علال يهنئه بالعودة من المنفى وهي غير مؤرخة والتي جاء فيها: أخانا وسيدنا الزعيم الجليل الأستاذ محمد علال الفاسي سلام عليكم ورحمة الله وبعد، فالله عز وجل الذي اختارك من بين هذه الملايين من الناس وأودعك سر الزعامة التي أجلستك على عرش القلوب، والله عز وجل الذي حفظك في منفاك السحيق من الأذى وتصرف الأعداء على ما بهم من قوة وما يضمرونه من حقد والله عز وجل الذي ردك غلينا سالما معافيا موفور الكرامة مرفوع الرأس فرد إلينا الصحة بعد المرض والأمل بعد اليأس والعز بعد الذل هو سبحانه الكفيل بمجازاتك على ثباتك وصبرك وتجلدك وما قاسيته من أهوال الغربة والتفرد وأما نحن فلو نظمنا النجوم نقودا من المدح والثناء، لما استطعنا أداء ما يجب لك وما تستحقه من الحمد والشكر. لله در أبيك وما أنجب فقد عهدنا ذلك البين الكريم خير بيت في المغرب نعد من أفداده ولا نكاد نحصيهم وقد أربي على جميع من نفحنا بهم من أعاظم الرجال أطلعك في سماء العلم والأدب والوطنية والجهاد بدرا ساطعا وكوكبا لا معا فتبارك الله، ذلك فضل الله يوتيه من يشاء فعلى الرحب والسعة وعلى الرؤوس وفي صميم القلوب والأكباد حيث يحتفظ لك كل مغربي بمنزلة سامية ومكان مكين من النفس والله المسؤول أن يحرسك ويحقق لك جميع ما تصبو إليه من مجد وسؤدد وحياة سياسية عزيزة وحرية في ظل صاحب الشوكة والعظمة مولانا السلطان المحبوب المنصور بالله آمين مسلما على من حضر مجلسكم من الإخوان«. وقد اخترت ان أدرج بعض رسائل رغم طولها لما تمثله في نظري من رمز أو ما لها من دلالة انجذاب وتعاطف بين المرحوم وصاحب الرسالة كما اخترت ان أختم برسالة التهيئة التي بعث بها هو للزعيم علال بعد عودته من المنفى لأنها تمثل شهادة قيمة وقطعة أدبية متميزة.