... لاشك أن قضايا نزع الملكية تفرز من جهة إشكالات عملية تثقل كاهل القضاء، ومن جهة أخرى تستنزف أموالا عامة تؤدى من جيوب دافعي الضرائب، وهو ما كان قد أشار إلى بعض جوانبه الوزير الأول الأسبق في منشور له سنة 1999 بلباقة دون أن تُعيره وزارتا المالية والعدل أي اهتمام. وأكد منشور الوزير الأول على إثقال القضاء بملفات فازعة كان يمكن تفادي مساطيرها بإجراء عمليات الصلح مع المتقاضين ، ودعا المنشور جميع الوزراء إلى خلق وتفعيل الشعب الإدارية القانونية بالنظر للهفوات والأخطاء الجسيمة المرتكبة على مستوى الشكل والموضوع من قبل عدد من الموظفين بالشعب القانونية والقضائية بالإدارات والمصالح الموكول إليها الترافع أمام القضاء من قبيل: مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإدارات الأملاك المخزنية والجمارك والضرائب التابعين لوزارة المالية. إن نوازل نزع الملكية تفرض عليها الإجابة عن السؤال التالي: من المسؤول عن إهدار الأموال العمومية التي تصرف نتيجة أخطاء موظفي الإدارات العمومية؟ وسبق أن تطرقنا في جريدة «العلم» مراراً لإمكانية «الاغتناء غير المشروع» الذي يحتمل أن يلجأ إليه بعض المتقاضين أمام المحاكم الإدارية، المفترض أن تبرز بدورها مختلف أوجه إهدار المال العام في حيثيات حكمها بشكل صريح. كما أن المجلس الأعلى للحسابات مطالب بتخصيص حيز من تقاريره السنوية لمثل هذه المعضلات. في انتظار أن يتحرك من يعنيه الأمر نقدم اليوم القضية عدد 412/2007 المدرجة أمام المحكمة الإدارية بأكادير بين مدعين يملكون قطعة أرضية على الشياع كان قد حكمت المحكمة الإقليمية سنة 1974 ضدهم، إلا أن الإدارة لم تنفذ الحكم من خلال تسجيل مقتضياته (الحكم) لدى المحافظ العام، وبين المدعى عليهم وذلك تبعا لنص الحكم عدد 354/2008، الصادر بتاريخ 19 يونيو 2008 عن الهيئة المُكوَّنة من الأستاذ الحسين المنتصر: رئيسا ومقرراً، والأستاذ محمود عبد الغني: عضوا، والأستاذ رشيد الناصري: عضوا، والأستاذ بوشعيب مداد: مفوضا ملكيا، والسيدة بشرى المعروفي: كاتبة للضبط: الوقائع: بناء على المقال المرفوع للمحكمة بتاريخ 2007/9/07 من طرف المدعيات بواسطة دفاعهن يعرضن فيه بأنهن يملكن على الشياع الملك المدعو «بلاد الدشيرة» موضوع الرسم العقاري عدد... والبالغة مساحته الإجمالية 91 آر و69 سنتيار والكائن بالجماعة الحضرية الدشيرة الجهادية، وبتارخ 1974/6/5 أصدرت المحكمة الإقليمية بأكادير الحكم عدد 1214 (ملف مدني 4187) قضى بنزع ملكية البقعة الأرضية أعلاه لأجل المنفعة العامة (توسيع وتمديد مدرج مطار أكادير) إلا أن الدولة المغربية لم تبادر إلى تنفيذ الحكم المذكور بدليل أن اسمهن لايزال مقيدا بالرسم العقاري عدد 09/2105، باعتبارهن مالكات مع باقي الملاك على الشياع. وطبقا لمقتضيات الفصل 428 من قانون المسطرة المدنية والتي تنص على أن الأحكام القضائية تكون قابلة للتنفيذ خلال ثلاثين سنة من اليوم الذي صدرت فيه وتسقط بانصرام هذا الأجل وكذا مقتضيات ظهير 1951/4/3 والقانون رقم 7/81 المتعلقين بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة فإن ملف مدني عدد 4187 مع رفع الاعتداء المادي على العقار موضوع الرسم العقاري عدد 09/2105، وإلغاء مشروع نزع ملكية القطعة الأرضية (بلاد الدشيرة) والبالغة مساحتها 91 سنتيار موضوع المرسوم الوزيري رقم 2/71/219 مع التشطيب على مشروع نزع الملكية من الرسم العقاري المذكور وأمر المحافظ على الأملاك العقارية بإنزكان بتنفيذ الحكم الذي سيصدر بذلك مع النفاذ المعجل، وتم إرفاق المقال بشهادة صادرة عن المحافظة العقارية بإنزكان وبنسخة عادية من حكم مدني عدد 1214 صادر بتاريخ 1974/6/5 عن المحكمة الإقليمية بأكادير وبصورة شمسية للمرسوم عدد 2/71/219. وبناء على مذكرة الجواب المدلى بها بتاريخ 2007/10/31 من طرف الدولة المغربية وجاء فيها بأن المرسوم رقم 2/71/219 الصادر بتاريخ 1971/10/25 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3080 بتاريخ 1971/11/10 قرر بأن المنفعة العامة تقضي بتمديد مدرج الطيران بأكادير وبنزع ملكية القطع الأرضية اللازمة لهذا الغرض ومن بينها القطعة الأرضية ذات الرسم العقاري عدد... كما صدر الحكم عدد 1214 بتاريخ 1974/6/5 بنزع ملكية القطعة المذكورة مقابل تعويض نهائي قدره 1375,35 درهم وتم تنفيذ الحكم المذكور فعلا خلافا لما دفع به المدعون، إذ تم تمديد مدرج الطيران بمطار أكادير ليشمل القطعة الأرضية المذكورة، وبالتالي فلا يمكن تطبيق مقتضيات الفصل 428 من قانون المسطرة المدنية على النازلة مادام الحكم قد نفذ على أرض الواقع. ومن جهة أخرى فمقتضيات الفصل 428 المستدل به تنطبق فقط على المدعين بالتنازل عن الدعوى (الحكم عدد 98/162) مما يكون معه العارضون قد تنازلوا بمقتضى الحكم المذكور عن المطالبة بأي تعويض، ملتمسة الحكم برفض الطلب، وتم إرفاق المذكرة بصورة شمسية للحكم عدد 98/162 الصادر بتاريخ 1998/6/5 عن المحكمة الإدارية بأكادير. وبناء على المقال الإصلاحي المدلى به من طرف دفاع المدعيات بتاريخ 2008/4/01 وتم بمقتضاه إصلاح المقال الافتتاحي فيما يخص الطلبات بالاقتصار على طلب الحكم بسقوط الحكم الابتدائي عدد 1214 الصادر بتاريخ 1974/6/5 عن المحكمة الإقليمية بأكادير ورفع الاعتداء المادي على العقار موضوع الرسم العقاري عدد 09/2105 وأمر بالمحافظ على الأملاك العقارية بإنزكان بتنفيذ الحكم الصادر، مع النفاذ المعجل. وبناء على مذكرة تعقيب دفاع المدعيات المدلى بها بتاريخ 2007/11/30 وجاء فيها بأن المدعى عليها لم تطلع على شهادة المحافظة العقارية التي تعكس الوضعية القانونية للعقار والذي لا يزال في ملكية العارضات، ومن جهة أخرى فإذ كانت الدولة المغربية قد استصدرت الحكم بنزع ملكية العقار فإن الحكم المذكور لا يزال لم ينفذ رغم انصرام أكثر من ثلاثين سنة على صدوره بدليل عدم تقييده أو عدم إيداعه لدى المحافظة العقارية بانزكان طبقا لمقتضيات الفصل 37 من قانون 7/81 فالدولة لم تبادر الى ترتيب أي أثر على الحكم بنزع الملكية ولم تطلب تنفيذه وأن مقتضيات المادة 428 من قانون المسطرة المدنية تعتبر من النظام العام وبخصوص الدفع بسبقية البت في القضية استنادا للحكم بالتنازل عن الدعوى فإن السبقية لا تتحقق الا بصدور الحكم في الموضوع دون الأحكام التي تبت في الشكل أو بالإشهاد على التنازل عن الدعوى بالإضافة إلى أن التنازل لا يترتب عنه تخلي الخصم عن موضوع الحق، وفقا لما تنص عليه المادة 119 من قانون المسطرة المدنية، ملتمسة رد دفوع المدعى عليها والحكم وفق الطلب. وبناء على إدراج القضية بعدة جلسات كان آخرها جلسة 2008/6/05 فحضرت الأستاذة هداية الله عن المدعيات وتبين من وثائق الملف بأن المدعى عليهم توصلوا بنسخ من المقال الإصلاحي ولم يدلوا بالجواب وأكدت الحاضرة ما سبق والتمس السيد المفوض الملكي إجراء خبرة وتقرر حجز الملف للمداولة والنطق بالحكم في جلسة 2008/6/19. بعد المداولة طبقا للقانون: المحكمة: حيث يهدف الطلب إلى الحكم برفع الاعتداء المادي على ملك المدعيات والكائن بالدشيرة الجهادية والمدعو (بلاد الدشيرة) موضوع الرسم العقاري عدد ...والبالغة مساحته الاجمالية 91 آر و 69 سنتيار، مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل. في الشكل: حيث إن الدعوى قدمت للمحكمة مستوفية للشروط المتطلبة قانونا مما يتعين معه الحكم بقبولها. في الموضوع: حيث أدلى الطرف المدعى لإثبات ملكية العقار موضوع الدعوى بشهادة صادرة عن المحافظة العقارية بإنزكان أيت ملول بتاريخ 2007/7/04 تفيد بأن كل واحدة من المدعيات تملك نسبة 23040 من أصل 4370760 في العقار موضوع الصك العقاري عدد... وحيث تمسكت الجهة المطلوبة في الدعوى بأن العقار موضوع الدعوى تم نزع ملكيته لفائدة الدولة بمقتضى الحكم عدد 1214 الصادر بتاريخ 1974/6/5 عن المحكمة الاقليمية بأكادير، مع تحديد التعويض النهائي في مبلغ 1375.35 درهم كما تم تنفيذ الحكم المذكور بالفعل بتمديد مدرج الطيران بمطار أكادير ليشمل القطعة الأرضية المنزوعة ملكيتها. وحيث نصت المادة 37 من قانون 7/81 المتعلق بنزع الملكية على أن إيداع الحكم بنقل الملكية لدى المحافظة على الأملاك العقارية يترتب عليه في تاريخ الإيداع تلخيص العقارات المعنية من جميع الحقوق والتحملات التي قد تكون مثقلة بها، كما يترتب عليه بحكم القانون بالنسبة للعقارات المحفظة نقل الملكية الى اسم السلطة النازعة للملكية، وبمفهوم المخالفة فإن عدم إيداع الحكم بنقل الملكية لدى المحافظة العقارية لا يترتب عليه بحكم القانون نقل الملكية الى اسم الجهة النازعة للملكية. وحيث ثبت للمحكمة بعد الاطلاع على الشهادة الصادرة عن المحافظة العقارية بانزكان أيت ملول بتاريخ 2007/7/04 بأن الجهة المطلوبة في الدعوى لم تبادر الى إيداع الحكم عدد 1214 الصادر بتاريخ 1974/6/05 عن المحكمة الاقليمية باأكادير بالمحافظة العقارية المعنية وذلك رغم مرور أزيد من ثلاثين سنة على تاريخ صدور الحكم المذكور، وهو ما يعني بأن العقار موضوع الدعوى لايزال في ملكية المدعيات على الشياع ولم تنتقل ملكيته الى الجهة. النازعة للملكية (الدولة المغربية) بصفة قانونية. وحيث إن الأحكام القضائية تكون قابلة للتنفيذ خلال ثلاثين سنة ابتداء من اليوم الذي صدرت فيه وتسقط بانصرام هذا الأجل حسبما ينص على ذلك الفصل 428 من قانون المسطرة المدنية، فالجهة المطلوبة في الدعوى سقط حقها في تنفيذ الحكم الصادر بنقل ملكية العقار موضوع الصك العقاري عدد ... لفائدتها بمضي المدة، طبقا لمقتضيات الفصل 428 من القانون السابق. وحيث إن أي تصرف للإدارة على الملك المشار إليه أعلاه قبل استيفاء إجراءات إيداع الحكم بنقل الملكية لدى المحافظة العقارية المعنية وداخل الأجل المنصوص عليه في الفصل 428 من ق.م.م يعتبر من قبيل الاعتداء المادي على الملك وفي النازلة فالإدارة بادرت إلى تنفيذ الحكم بنقل الملكية بصفة فعلية دون سلوك المسطرة القانونية المنصوص عليها في الفصل 37 من قانون نزع الملكية فقد ورد في مذكرتها الجوابية بأنه تم تمديد مدرج الطيران بمطار اكادير ليشمل القطعة الأرضية موضوع الصك العقاري عدد .... وحيث استقر القضاء الإداري على أن احتلال الإدارة لملك الغير بدون سند قانوني يعد اعتداء ماديا على حقوق الغير يتعين رفعه. وحيث إنه من الثابت مما سبقت الإشارة إليه أن الدولة لما وضعت يدها على الملك موضوع الدعوى لم يكن لتصرفها هذا سند من القانون، مما يتعين معه الحكم عليها برفع الاعتداء المادي على الملك المذكور مع تحميلها الصائر. المنطوق: وتطبيقا لمقتضيات القانون 90/41 وقانون المسطرة المدنية وقانون 7/81 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة . لهذه الأسباب إن المحكمة الإدارية وهي تقضي علنيا ابتدائيا حضوريا تحكم: في الشكل: بقبول الدعوى. في الموضوع: على الدولة المغربية في شخص السيد الوزير الأول برفع الاعتداء المادي على العقار المدعو (بلاد الدشيرة) موضوع الرسم العقاري عدد... والكائن بالجماعة الحضرية للدشيرة الجهادية عمالة انزكان أيت ملول، مع مايترتب على ذلك قانونا مع تحميلها الصائر.