على غير العادة لم يتفاجأ الجمهور المكناسي ، بالعرض المسرحي «ناكر لحسان» لمسرح تانسيفت، باعتباره عرضا لم يأت بالجديد ، و إنما بقي مخلصا لتجارب العروض التي سبقته و إحدى النسخ المكررة لأعمال الفرقة ، و إن صرح المخرج الفنان «حسن هموش « بأن هذه التجارب هي في إطار البحث عن شكل جديد يمكن تصنيفه تحت يافطة «الكوميديا الموسيقية» لكن العمل المسرحي على العموم و إن اختار أصحابه بطواعية مسرح الجمهور يتضمن قالبا ذا صبغة دراما كوميدية يتميز به مسرح تانسيفت بمراكش ، ويسهر في جل العروض على البحث في الذات الإنسانية و الغور في تجلياتها الدفينة ،مفتتا بكل الأنماط المرضية التي تحيق بالمجتمع المغربي ، و هي دواخل لا يمكن الكشف عنها إلا عبر صيرورة العلاقات الإنسانية . و من تم يبقى العمل المسرحي نموذجا لإحدى العائلات المغربية الميسورة في تاريخ ما ،والتي تبنت أحد الأبناء وربته كواحد من العائلة مع بنتين في منزل واحد ، لكن الجشع والطمع الذي أعمى المتبنى جعل عقدة المسرحية تسير بشكل عادي ،و إن كانت في قالب كوميدي مما جعل المخرج لم يتوفق إلا في النصف الثاني من المسرحية ، الذي تألق فيه الممثل القدير «عبد الله ديدان»وحوله إلى مشهد متميز ، كما أبرز عن كفاءة كبيرة، إلا أن العمل في مضمونه يبقى دون توقعات المتتبعين وعرف العديد من الفجوات ابتداء من لعب الممثلين المشبع بالحركات الميكانيكية (المشي ? الجلوس - الكلام ) والتي جعلت المشاهد أحيانا يسبق الممثل في حركته الموالية ، كما برز جليا التفاوت في التمثيل على خشبة قاعة محمد المانوني ، وأيضا الأغاني التي جاءت مسجلة وهي من توقيع الفنان» محمد الدرهم «لم تضف شيئا ،و إن كانت تصب في السياق العام للعمل المسرحي بحيث جعلتنا في لحظات الغناء نحس أنها مستقلة بتاتا وتبدو أيقونة لوحدها ، فيما سارعت السينوغرافيا في مطاوعة العمل الفني ، وكانت عبارة عن ثلاثة أشكال هندسية على شكل هرم، إلا أنها بقيت حبيسة نفسها ولم تنفتح إلا على أجزاء منها لتصبح أشكالا تصلح للجلوس فقط. من هنا يمكن القول إن عرض (ناكر الحسان) خلق انزياحات كثيفة على مستوى النص وأيضا جرأة في الخطاب ،ونجح في توريط الجمهور في علاقات النص المتشابكة ، إلا أنه بقي بعيدا عن إحساس المتلقي، ولم يرتق به إلى مسافات الذوق الرفيع . بينما مسرحية « أيام العز «شكلت لبنة أساسية في ريبرطوار مسرح مناجم جرادة ،الذين تمكنوا لأول مرة من لعب نص مغربي للكاتب والسيناريست «يوسف فاضل «، ورغم قوة النص إلا أن العرض سقط في دوامة الملل القاتل ،ولم يستطع المخرج من فك طلاسم النص وتحويله إلى عمل مسرحي، بل بقي نصا يتلى فوق خشبة المسرح ،وإن كانت بعض المحاولات الجادة من الممثل» هام « دون بناء إخراجي واضح ،وهي تحكي عن ثلاث شخوص تعيش في وسط طبقي معين ، بعدما فر ممثلين من مستشفى الأمراض العقلية ببرشيد و لم نشاهد جنونهما ، بل كان جنونا من نوع خاص أكثر تعقلا ، يفكران ويعيشان الحياة ببساطة ، وهذا الارتباط بالجنون ربما هو نتيجة حتمية لإعطاء الحق للهاربين في الكلام دون قيود ، لتذكيرنا بالأيام الخوالي عوض هذا الواقع الذي يعيشونه ، ويشكلان أيضا لتتويج انهيار الإنسان في واقعه الميؤوس منه و المكبل بمجموعة من القوانين والأنظمة ، وما شخصية الحارس سوى دليل على حراسة هذا النظام ويسهر على تطبيقها ، وحتى مع موته المفاجئ و إعلاء قبره في السماء المغطى بالقبور والمتصل بالخشبة / الحياة عبر خيوط كثيفة ، تجعله رقيبا حتى بعد مماته ، وتبقى هذه السينوغرفيا المكونة من الخيوط الأفقية والقبور في سماء الخشبة ذات دلالة معبرة، إلا أنها زاحمت الممثل وعرقلته أحيانا في تحركاته ، ووضعت حاجزا بين الممثل والمتلقي وأوصدت كل منافذ الجدار الرابع، و كأن الحراس ما زالوا يقومون بعرقلة الحقيقة للخروج إلى الوجود . فمن هؤلاء يا ترى ؟.