قالت صحيفة« كريستيان ساينس مونيتور» إن تركيا برزت هذا الربيع كلاعب أكثر استقلالية، كما شهد بذلك البعض. وإن ما وصفته بتحولها الذي استغرق نحو عشر سنوات قد أثار زوبعة في أوروبا والولاياتالمتحدة وإسرائيل، وهي دول كانت تعتمد على تركيا كحليف وشريك تجاري وعضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو). وقالت الصحيفة ، وهي تجيب على سؤال «هل ستغير غارة أسطول غزة دور تركيا الإقليمي؟»، إن الغضب من إسرائيل بسبب الغارة التي انتهت بمقتل تسعة ناشطين أتراك قد بيّن صعوبة الجهد التركي لإقامة جسر بين الشرق والغرب. ونوهت الصحيفة إلى أن تركيا تريد -على ما يبدو- أن تزاوج بين رخاء القرن الحادي والعشرين والقوة العالمية للإمبراطورية العثمانية، والمفتاح إلى هذا الهدف هو تحسين الأمن في الشرق الأوسط. وزاد وضوح صورة تركيا في العالم بعد غارة « أسطول الحرية « يوم 31 ماي الماضي، تلك المواجهة التي جذبت انتقادا دوليا حادا لإسرائيل. وأثار موقف تركيا كثيرين ليتساءلوا عما إذا كانت ستتخلى عن جهود توطيد نفسها كوسيط بين إسرائيل وجيرانها المسلمين، والتحول -إلى حد ما- بعيدا عن أوروبا. لكنها أشارت أول أمس إلى أنها ستتحرك بحذر نحو أي انحدار في علاقاتها مع إسرائيل، رغم الضرر الكبير الذي أصاب هذه العلاقة. واستطردت الصحيفة في سرد بداية اتخاذ تركيا هذا المنهج وقالت إن نهاية الحرب الباردة فتحت فرصا جديدة لتركيا، التي لعبت دور شريك صغير بمعزل عن الولاياتالمتحدة، لتطوير سياسة خارجية حذرة كانت تفاعلية أكثر منها استباقية. فقد أدى غزو العراق، الذي نجم عنه خفض كبير للنفوذ الأميركي في الدول المجاورة لتركيا، إلى زيادة تمكين القادة الأتراك من التفكير بطريقة أكبر فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لدولتهم. وقد لجأ رئيس الوزراء ، رجب طيب أردوغان، الذي اعتلى السلطة قبيل أيام من الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إلى وزير الخارجية، أحمد داود أوغلو، لمساعدته في تشكيل دور جديد لتركيا في المنطقة والعالم. وقد تمكن أوغلو بالفعل من نقل سياسة تركيا الخارجية من خلال رسالة بسيطة: «لا مشاكل مع الجيران»، بمعنى التقرب من دول الشرق الأوسط التي تجاهلتها تركيا لعقود. وتحدثت الصحيفة عن مبادرات تركيا في البلقان، وعملية المصالحة مع أرمينيا. وقالت إن الذي يدفعها لهذا النهج مزيج من العوامل السياسية والاقتصادية والأيديولوجية. فالحكومة تشعر بأن تركيا نزلت إلى دون مستوى ثقلها لفترة طويلة وضيعت فرصا هامة. وهي تعتقد أن استمرار نموها الاقتصادي، في المرتبة ال16 عالميا، يعتمد على تطوير نشط لعلاقاتها السياسية والتجارية على مستوى عالمي. كما يعتقد قادتها، كورثة للإمبراطورية العثمانية، أنه ينبغي أن يكون لبلدهم رأي في الشؤون الإقليمية، بل وحتى الدولية، ويلعب دورا قياديا في العالم الإسلامي. فهي تريد أن تكون قوة مركزية. وأشارت الصحيفة إلى أن الولاياتالمتحدة قد تواجه أيضا تحولا في تحالفها القوي مع تركيا التي تستضيف القاعدة الرئيسية لتموين وعبور القوات الأميركية إلى أفغانستان. وقد كافحت الدولتان إلى حد ما لإعادة تحديد علاقتهما في عالم ما بعد الحرب الباردة. وختمت« كريستيان ساينس مونيتور» بما كتبه ستيفن كوك، من مجلس العلاقات الخارجية، في مجلة «فورين بوليسي» بأن «كل هذا الحديث عن تعاون إستراتيجي وشراكة نموذجية وأهمية إستراتيجية لا يمكنه أن يغطي على التحول الهام الوشيك. والحقيقة القاسية هي أنه في الوقت الذي لا تعتبر فيه تركيا والولاياتالمتحدة أعداء في الشرق الأوسط، إلا أنهما يصيران متنافسين».