يوم الاثنين 24 مايو 2010 أعلن أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري تأجيل قمة الاتحاد من اجل المتوسط والتي كان مقررا عقدها فى برشلونة يوم 7 يونيو إلى الثلث الأخير من شهر نوفمبر 2010 بعد اتصالات ومناقشات على مدى الأسبوعين الماضيين من أجل تأمين أكبر قدر من النجاح والمشاركة على مستوى القمة. وقال أبو الغيط انه تمت الموافقة على هذا التاريخ بمناسبة مرور 15 عاما على إطلاق عملية برشلونة عام 1995 كما ان الشهور القادمة ستمكن الأطراف من السعي المشترك من اجل إنجاح القمة .. مشيرا إلى أن هناك مفاوضات فلسطينية إسرائيلية غير مباشرة تجرى حاليا ونأمل أن تحقق بعض النجاح والاختراق بما يؤدى الى المزيد من النتائج الطيبة خلال عقد القمة. وإطلقت المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية في التاسع من مايو 2010 برعاية الولايات المتحدة في أجواء من التشكيك العام. ومن المقرر أن تستمر أربعة أشهر. و سعى أبو الغيط إلى الطمأنة بشان مشاركة الدول العربية في قمة نوفمبر، مؤكدا انه لم يتلق إشارة مقاطعة من أي دولة عربية. وأكد أن هذا القرار اتخذ بالتنسيق بين الرئيسين المصري حسني مبارك والفرنسي نيكولا ساركوزي اللذين يرأسان الاتحاد، ورئيس الحكومة الاسبانية خوسيه لويس ثاباتيرو الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي. وذكر أحمد أبو الغيط أن قرار تأجيل القمة لم تكن متعلقة بتهديد الدول العربية بمقاطعتها بعد إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان مشاركته في القمة ضمن الوفد الإسرائيلي، وقال «لم أتلق أية إشارات بأن الدول العربية ستنوى المقاطعة فهذه قمة للرؤساء وليست اجتماعا لوزراء الخارجية»، مؤكدا على أنه لم تكن هناك أية مناقشات حول مشاركة وزير الخارجية الإسرائيلي في القمة لأننا لا نوليه أي اهتمام. جاء ذلك فى مؤتمر صحفي ثلاثي لوزير الخارجية أحمد ابو الغيط وكل من ميغيل أنخيل موراتينوس وزير خارجية أسبانيا وبرنار كوشنير وزير خارجية فرنسا عقب جلسة مباحثات بينهم ليلة الأحد الأثنين 23 و 24 مايو بقصر التحرير بالقاهرة. وأضاف أبو الغيط انه سيتم عقد اجتماعات وزارية في الفترة القادمة حيث سيعقد في 2 يونيو اجتماع لوزراء الطاقة لدول الاتحاد من اجل المتوسط بالقاهرة كما سيعقد اجتماع أخر يوم 15 يونيو لوزراء الصحة وبالتالي فإن المبادرات والاجتماعات في إطار الاتحاد من اجل المتوسط تتقدم إلى الأمام، كما انه قد تم انتخاب أمين عام للاتحاد وتعيين 6 ستة مساعدين له وسيبدأ دبلوماسي مصري العمل في الأمانة العامة كأحد الخبراء أو المستشارين. الحد من الطموحات وأكد وزراء الخارجية الثلاث أن تأجيل القمة لا يعني «الحد من طموحات» الاتحاد من اجل المتوسط لكنه يهدف إلى ضمان «نجاح» هذا اللقاء. وأشار الوزير الاسباني «أننا لا نحد من طموحاتنا»، وأوضح أن الاتحاد من اجل المتوسط أنشئ «لحل الأزمات وليس لإثارتها»، لكنه اعترف أيضا بان هذه المبادرة «شهدت صعوبات» ولا سيما في مواجهة «وضع صعب في الشرق الأوسط». موضحا أنه منذ قمة باريس 2008 حدثت بعض الأمور في الشرق مثل أزمة غزة التي أخرت من عملية تنفيذ مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط. وقال: لابد أن نعترف بمدى تعقد المبادرة لكننا بعض مشاورات قررنا ألا نلغى القمة وإنما يتم تأجيلها حتى يجتمع الرؤساء فى برشلونة مجددا. وأكد أن سبب مجيئه إلى القاهرة مع نظيرة الفرنسي هو لإظهار أن الأصدقاء الثلاثة «مصر وأسبانيا وفرنسا» سينجحون طالما أن كل الأطراف تستطيع الاستمرار فى إيجاد البيئة الإيجابية لنجاح القمة. وردا على سؤال حول إمكانية اعتراف إسبانيا ودول الاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية عام 2010 إذا تعثرت المفاوضات، قال وزير الخارجية الإسباني «إن إسبانيا تطالب بهذه الدولة ونحن أيضا في الوقت نفسه نؤيد جهود رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض من أجل العمل على إيجاد المؤسسات التي تسمح وتسهل إقامة الدولة الفلسطينية، وبالتالي فإن الموقف الإسباني واضح جدا». وأشار موراتينوس إلى أن العام القادم سيشهد مرور عشرين عاما على انعقاد مؤتمر مدريد بينما لا يزال المجتمع الدولي حتى الآن يتحدث عن هذه الأزمة، لكنه أضاف: إن هذا لا يعني أن نتوقف عن العمل بل يجب أن نستمر في العمل من أجل السلام. وأوضح أنه تم تحديد الفترة من 20 إلى 27 نوفمبر لانعقاد القمة وسيتم تحديد الموعد بشكل دقيق وفقا لجدول أعمال رؤساء الدول والحكومات. من جانبه أكد الوزير الفرنسي برنار كوشنير انه «لا توجد أزمة» بالنسبة للاتحاد من اجل المتوسط. وقال «إننا نعمل على تحقيق نجاح في نوفمبر» المقبل، وأضاف: إن هذه آلية كبيرة تضم 46 دولة وهى معجزة في حد ذاتها أن تعمل في الأساس، ونؤكد هنا أنه لا توجد أزمة على الإطلاق. وهو الأمر الذي أكد عليه موراتينوس بقولة: لا توجد أزمة فنحن أشبة بالأسرة أو العائلة واجتماعنا السياسي هو شراكة عميقة بين 46 دولة وإذا كانت هناك أزمة فكنا سنقرر إلغاء القمة لا تأجيلها. ويتكون الاتحاد من «موريتانيا، المغرب، ألبانيا، الجزائر، النمسا، بلجيكا، البوسنة والهرسك، بلغاريا، كرواتيا، قبرص، جمهورية التشيك، الدنمارك، مصر، إستونيا، فنلنده، فرنسا، ألمانيا، اليونان، المجر، إيرلندا، إسرائيل، إيطاليا، الأردن، لاتفيا، لبنان، ليتوانيا، لوكسمبورغ، مالطا، هولندا، السلطة الوطنية الفلسطينية، بولندا، البرتغال، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، السويد، سوريا، تونس، تركيا، والمملكة المتحدة». يشار إلى أن «الاتحاد من أجل المتوسط» عرِف في بداية إطلاقه ب «مشروع الاتحاد المتوسطي». الإخلال بالوعود يوم الثلاثاء 25 مايو 2010 وفي مدينة الحمامات بتونس اعتبر جان لوي غيغو المندوب العام لمعهد دراسة الأفاق الاقتصادية لدول المتوسط ان الأزمة الاقتصادية والمالية في أوروبا والنزاع الإسرائيلي يهيمنان على حوض المتوسط في 2010. وأضاف غيغو خلال الاجتماع الثاني من «لقاءات المتوسط» أن «أزمتين تهيمنان على حوض المتوسط في 2010 هما الأزمة الاقتصادية والمالية في أوروبا والأزمة الحادة الناجمة عن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الذي أدى إلى تأجيل القمة المقررة في 7 يونيو» للاتحاد من اجل المتوسط. وصرح غيغو لوكالة فرانس برس «يتردد ان الرئيس الأمريكي سيتخذ بين نوفمبر وديسمبر مبادرة سلام ستفرض على الجانبين». من جهتها، أعلنت اليزابيت غيغو وزيرة العدل الفرنسية السابقة لوكالة فرانس برس ان النزاع الإسرائيلي الفلسطيني «يلقي بظلاله على الاتحاد من اجل المتوسط إلا انه يفترض أن يحث مدراء المؤسسات والفاعلين في المجتمعات المدنية على المضي قدما». وأضافت «لا يمكننا أن نوقف هذا المشروع الجيد أو أن نترك الاتحاد من اجل المتوسط رهينة هذه النزاعات». واعتبر رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي أن «العملية الأوروبية المتوسطية بحاجة كبيرة إلى دفع جديد لتسريع الخطى من اجل تجاوز العقبات». وقال الغنوشي إن مسار برشلونة للحوار الأورومتوسطي، لم يف بوعوده في مجال تقليص الفجوة التنموية، حيث تباعد الدخل بحساب الفرد الواحد بين دول شمال المتوسط وجنوبه. وقال الغنوشي إن الاستثمارات الأوروبية في جنوب المتوسط وشرقه بقيت متواضعة، كما أن المبادلات التجارية بين دول الضفة الجنوبية للمتوسط لا تزال ضعيفة ولا تتجاوز 7 في المائة، في حين ظل الدعم المالي الأوروبي لدول جنوب المتوسط وشرقه محدودا. وشدد على أن دعم أركان شراكة أورومتوسطية فاعلة ودائمة أصبحت اليوم ضرورة قصوى، في ظل تواصل تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية ومضاعفتها الأخيرة على منطقة اليورو. ولفت إلى أن كل ارتفاع بنقطة واحدة في نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول جنوب المتوسط وشرقه يؤدي إلى ارتفاع بمعدل بين 0.2 و0.3 نقطة في نسبة نمو ناتج دول الضفة الشمالية للمتوسط. وفي المقابل فإن كل ارتفاع بنقطة في نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي يؤدي إلى زيادة بين 0.4 و0.6 نقطة في نسبة نمو ناتج دول المتوسط. ودعا الغنوشي إلى ضرورة التأسيس لمرحلة جديدة للشراكة الأورومتوسطية وفق رؤية ترتكز على استراتيجيات متناسقة ومتكاملة تتيح تسريع نسق الاندماج الاقتصادي للمنطقة الأورو متوسطية. الاستثمار غير الأوروبي إذا كان قد تم تسجيل نمو في الاستثمارات في دول غرب جنوب المتوسط فهناك تغير واضح إزاء هوية جهات الاستثمار. حيث أن المصادر الرئيسية للاستثمارات التي أعلن عن النية في اتخاذها وإن لم تأخذ بعد حيز التنفيذ لم تأت من دول الاتحاد الأوروبي بل غدت في الوقت الحاضر تشمل مستثمرين من دول الخليج العربية وبقدر ضئيل من مصر بالإضافة إلى مستثمرين آخرين من شرق آسيا. و هناك تزايد في وزن وأهمية الاستثمارات الصينية على نحو كبير حيث تقوم شركات صينية في الوقت الراهن ببناء العديد من مشاريع البنية الأساسية كالمساكن والطرق وكثيرا ما تجلب معها الأيدي العاملة التابعة لها. قبل ذلك وفي يناير 2010 قال وزير التجارة والصناعة المصري، رشيد محمد رشيد، إن منطقة جنوب المتوسط هي الأقل في عملية التجارة البينية في العالم، وهي منطقة على حدود الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه هي أقل منطقة تستحوذ على الاستثمارات الأوروبية. وجاءت تصريحات الوزير المصري على هامش اجتماعات وزراء التجارة في دول منطقة الأورومتوسطي، الذي انعقد في بروكسل خلال تلك الفترة لمناقشة سبل تعزيز التكامل الاقتصادي، وتنويع وتعزيز التجارة والاستثمار في المنطقة، بهدف تشجيع استكمال إقامة منطقة التجارة الحرة في عام 2010. وقال الوزير إن الاجتماعات الأخيرة عرفت طرح خارطة طريق أو منظومة جديدة لتطوير التجارة بين الجانبين، وهنا تأتي الأهمية لأنها تحل محل الهدف الذي كان محددا لها عام 2010 إلى ما بعد هذا التاريخ. خلال المؤتمر المسمى «أوروبا البحر المتوسط» الذي عقد في مدينة برشلونه في 27 و28 نوفمبر 1995 وضعت القواعد الأساسية لإنشاء منطقة للتجارة الحرة تضم ضفتي البحر المتوسط، ورافق ذلك تقديم وعود عديدة بشأن تكريس «التعاون بين الثقافات» والحد من الأحكام المسبقة. غير أن المخطط واجه عقبات كثيرة وبذلك تخلف تنفيذه. في الأصل تقرر جعل عملية الاندماج وسيلة تهدف إلى إنشاء منطقة إقليمية للتجارة الحرة حتى العام 2010. ووعد الاتحاد الأوروبي في حينه الدول المشاركة بتكريس نمو اقتصادي مستديم لها من خلال السماح لها بزيادة صادراتها إلى أوروبا. هذا الأمر لم يتحقق إلا بصورة محدودة. وهكذا برزت حقيقة المخاوف التي ظهرت يومها وخيمت على نفوس نقاد «عملية برشلونة» في أن ينجم عن إزالة حواجز الحماية التجارية انهيار بمعنى الكلمة للصناعات المحلية في جنوب البحر المتوسط وشرقه على يد الأطراف ذات القدرات التنافسية الكبيرة داخل الاتحاد الأوروبي نظرا لمحدودية قدرة دول الجنوب على منافسة صناعات الشمال وعدم مصداقية الدول الصناعية الأوروبية في مساعدة الجنوب على التوصل إلى قدرة تنافسية تسمح لصناعاته بالحياة. مقارنة قبل تأكيد قرار تأجيل قمة برشلونة المقررة في 7 يونيو نشرت المفوضية الأوروبية عدة تقارير حاولت فيها إلقاء الضوء على إنجازات الإتحاد الأوروبي، فقدمت تقييما للأعوام الخمسة التي شهدت تطبيق سياساتها في المنطقة والتي حملت عنوان «حزمة الجوار». التقارير بينت كيف أن إسرائيل تفوقت في الحصول على المساندة الأوروبية مقارنة مع سوريا ولبنان وهو ما يعكس توجها سياسيا منحازا وأسلوب كيل بمكيالين. التقارير التي غطت سنة 2009 كشفت عن ضعف إفادة لبنان وسوريا من مساعدات الإتحاد الأوروبي ومساهمته المتواضعة في أنشطتهما وبرامجهما وهي كالتالي: الأنشطة والتحركات الشبابية والتبادل الشبابي بلغ عددها مع لبنان 68، في مقابل 10 لسوريا و183 لإسرائيل، بالنسبة إلى التعاون الأكاديمي بلغ 26 للبنان و26 لسوريا و69 لإسرائيل، بالنسبة إلى المشاركة في المشاريع أفاد لبنان من 3 مشاريع في مقابل 2 لسوريا ومشروع واحد لإسرائيل، بالنسبة إلى المشاريع المقدمة من البلدان ودائما في عام 2009 فقد قدم لبنان 6 مشاريع وسوريا مشروعا واحدا وإسرائيل 30 مشروعا. و في ملخص المشاريع على مدى الأعوام الخمسة المنصرمة أفاد لبنان من 16 مشروعا فحسب في مقابل خمسة لسوريا و94 لإسرائيل. وذكر تقرير ل «الشبكة المتعددة البلدان للتنمية الاقتصادية في المتوسط» صدر في شهر مارس 2010 أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي استقطبتها بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط تراجعت عام 2009 بنسبة 37 في المائة متراجعة إلى 541 مشروعا بعدما بلغت 863 مشروعا في 2008. كما أن الحجم الصافي للاستثمارات تراجع من 42 مليار يورو في 2008 إلى 29 مليارا في 2009. ويسعى الاتحاد من اجل المتوسط الذي يضم 43 بلدا (دول الاتحاد الاوروبي ال27 بالإضافة إلى تركيا وإسرائيل والدول العربية المطلة على البحر المتوسط) إلى تجاوز الأزمات السياسية من خلال مشاريع للتعاون. بين الموت والحياة المحللون انقسموا في تقديراتهم حول أبعاد تأجيل القمة، فمنهم من رأى أن مشروع الاتحاد من أجل المتوسط يلفظ أنفاسه الأخيرة وسيلحق بعملية برشلونة لعام 1995، في حين قدر آخرون أنه سيمكن إنقاذ التنظيم الذي يشكل تصورا ربما يختلف إلى حد ما عن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد في واشنطن وعملوا على تنفيذه خلال حكم بوش الذي دام 8 سنوات والذي تمخض عن احتلال أفغانستان والعراق. دول شمال المتوسط أي الاتحاد الأوروبي ترى في الإتحاد أحد سبل تأمين تموينها بمصادر الطاقة المتعددة المصدر من غاز ونفط وكهرباء مولدة بطاقة الرياح والشمس خلال عقود قادمة، وكذلك سوقا لمنتوجاتها ومصدرا للمواد الأولية ولليد العاملة التي تعوض شيخوخة ساكنتها الخ، وبذلك تضمن طوق النجاة الإقتصادي والأمني خلال العقود القادمة حين ستواجه تنافسا مصيريا مع القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية الناشئة في آسيا ومنطقة الشرق الأوسط الكبير. وفي ديسمبر 2009 أفاد فيليب دو فونتان فيف نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي ل «رويترز» بأن الاتحاد عرض إقراض دول جنوب البحر المتوسط خمسة مليارات يورو (7.36 مليار دولار) على مدى ثلاث سنوات للاستثمار في الطاقة المتجددة. وأضاف فونتان على هامش مؤتمر في تونس أن البنك أطلق قرضين قيمتهما 234 مليون يورو و170 مليون يورو لمشروع طريق وسكك حديدية في تونس. هيمنة إسرائيلية الدول العربية تجد نفسها في وضع حرج إزاء الاتحاد من أجل المتوسط، فما الذي يمكن أن تفعله داخل تجمع إقليمي منحت فيه إسرائيل لأول مرة منصب نائب الأمين العام مقابل حضور الجامعة العربية اجتماعات الاتحاد، في حين ترفض إسرائيل أي إشارة في وثائق الاتحاد الرسمية إلى الأراضي المحتلة، كما حدث في اجتماع برشلونة حول المياه في شهر أبريل 2010، إذ أخفق الاجتماع بسبب رفض الدول العربية تمرير بيان ينسف عبارة الأراضي المحتلة. العديد من العرب حذروا من أن أحد أهداف الاتحاد هو تمرير التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإذا كانت دول الإتحاد الأوروبي قد قدمت ما سمته ضمانات على أن الأمر ليس كذلك، فإن العرب وجدوا أنهم لم ينجحوا عبر المنظمة في تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية تتناسب مع ما يقدمونه من خدمات وإمكانات لجيرانهم في الشمال، ولعل ما ذكره الوزير الأول التونسي الغنوشي دالا حين قال أن أي زيادة بنسبة 1 في المائة لنسبة نمو إجمالي الناتج الداخلي لدول جنوب وشرق المتوسط تؤدي الى زيادة ما بين 2.0 في المائة و3.0 في المائة في دول الشمال. زيادة على ذلك لم يبلور الأوروبيون ما طبلوا له كثيرا عن تميزهم عن الولايات المتحدة في السعي لتسوية عادلة في فلسطين وظلوا حتى الأن أسرى لإملاءات تل أبيب. ويتخفى الأوروبيون وراء «الحيادية» القريبة من التواطؤ، بذريعة أنهم يريدون التركيز على الأهم المتمثل بمشكلة المياه والقضايا الإنسانية وتطوير التعليم والديمقراطية الخ. و هكذا يمكن القول أن حضور ليبرمان القمة لم يكن سوى أحد المسببات للتأجيل. وضمن هذا الواقع تجد دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة المتوسطية منها نفسها عاجزة عن اتخاذ موقف واضح من إسرائيل يساعد على تسويق الاتحاد من أجل المتوسط، ويوفر مخرجا للدول العربية التي تجاوزت ربما حرب يناير 2009 على غزة وقبلت مبدئيا، حسب موراتينوس، حضور القمة، لكن واضح أنه لم يكن هناك أمل بأن تخرج القمة بإنجاز ملموس ربما يغير نظرة الكثيرين إلى الاتحاد على أنه أداة تطبيع مجانية مع إسرائيل. وتبدو «الحجة» التي قدمتها دبلوماسيتا مصر وإسبانيا لإرجاء قمة برشلونة، أي إعطاء فرصة للمفاوضات غير المباشرة إقرارا بمراهنة الاتحاد الأوروبي على إدارة باراك أوباما لإنجاح القمة عبر ما يسمى حلا يفرضه البيت الأبيض قبل نهاية سنة 2010. بالاضافة إلى العناصر السابقة التي تعتبر من ضمن المسببات لتأجيل القمة وتعكس إحباط الدول العربية تجاه وعود الإتحاد الأوروبي يرى عدد من المراقبين أن القشة التي قصمت ظهر البعير ودفعت بعدة عواصم عربية إلى التهديد بالمقاطعة، كانت إصرار وزير خارجية الكيان الصهيوني على حضور لقاء برشلونة فهو أراد أن يثبت للعرب أن تل أبيب هي الأقوى في معادلة العلاقات مع أوروبا، وأنها ستستمر في فرض شروطها وأطروحاتها ولن ينجح العرب في تمرير أي تصور يريدونه عن حل الصراع الفلسطيني الصهيوني. القشة التي قصمت ظهر البعير صحيفة «هآرتس» ذكرت أن التهديد بالمقاطعة العربية للمؤتمر نقل إلى فرنسا وأضافت أن نتانياهو أكد رسميا مشاركته في القمة، لكنه يعتزم ضم ليبرمان إلى الوفد الإسرائيلي، وهو ما يثير معارضة قوية من جانب الدول العربية التي تقاطع ليبرمان على مواقفه المتطرفة منها. وكانت فرنسا قد ألغت سنة 2009 مؤتمرا لوزراء خارجية دول البحر المتوسط الذي كان مفروضا عقده في اسطنبول، بعد فشل الجهود الفرنسية لإقناع مصر بسحب معارضتها مشاركة ليبرمان. ويذكر أنه يوم 11 مايو 2010 وفي تحد للعرب اعلن ليبرمان انه سيشارك في القمة المتوسطية وأضاف للإذاعة العامة من طوكيو «انوي المشاركة وسأكون هناك. نحن لا نفرض أنفسنا لكن ليس من حق احد أن يفرض علينا تشكيلة الوفد الإسرائيلي». وكان ليبرمان قد صرح بان إسرائيل يمكنها ان تقصف السد العالي في أسوان جنوب مصر إذا ما هاجمت مصر إسرائيل. كما أثار وزير الخارجية الإسرائيلي عاصفة من الاحتجاج في مصر عندما قال عن الرئيس المصري «فليذهب الى الجحيم» اذا كان يرفض زيارة إسرائيل. وتابع ليبرمان «مع الاسبان تمكنا من التوصل إلى أفكار مبتكرة وكنا مرنين جدا وتوصلنا معهم الى ترتيبات ووافقنا على كل طلباتهم». واكد ان «المشكلة لم تعد الآن بيننا وبين سوريا ومصر بل بين اسبانيا وسوريا ومصر. انها صفعة موجهة إلى اسبانيا». و قال ليبرمان «لا نقاطع أحدا ومن لا يأتي (إلى القمة) فتلك مشكلته». وقد وجهت صحيفة هاآرتس نصيحة إلى صناع القرار فى إسرائيل بضرورة النظر فى مشاركة ليبرمان بهذه القمة، خاصة وأن السلبيات التي من الممكن أن تنعكس على إسرائيل من جراء هذه المشاركة ستكون كثيرة وغير محمودة العواقب. وذكرت الصحيفة أن كل من الرئيس حسنى مبارك ونظيره السوري بشار الأسد هددا القادة الأوربيين بمقاطعة القمة بسبب مشاركة ليبرمان. وقالت أن وزير الخارجية المصري صرح لنظيره الفرنسي برنار كوشنير أنه لن يحضر مؤتمر ويجلس فى غرفة تحت سقف واحد مع ليبرمان قائلا «انسوا ذلك الأمر تماما، أنا لن أجلس معه على طاولة واحدة». وذكرت القناة الثانية الإسرائيلية أن وزارة الخارجية الإسرائيلية قيمت التهديدات العربية بالامتناع عن حضور القمة، بأنه قد يؤدى لتخفيض مستوى التمثيل من قادة الدول لسفرائها واصفة هذا الأمر بأنه سيكون وصمة عار ليس فقط لأسبانيا وفرنسا لكن الاتحاد الأوروبي بالكامل. وكشفت هآرتس عن أن دبلوماسي اسباني رفيع المستوى كان قد زار إسرائيل والتقى ناعور جيلون، المسئول عن الملف الأوروبي بالخارجية الإسرائيلية وأظهر له مدى المعارضة العربية من مشاركة ليبرمان في القمة، إلا أن جيلون رد عليه قائلا «نحن لن تقبل أى املاءات من الدول العربية فيما يتعلق بمشاركة ليبرمان أو مشاركة أشخاص آخرين في القمة كجزء من الوفد الإسرائيلي». ما يريده العرب من أوروبا السفير سليمان عواد، الناطق باسم الرئاسة المصرية قال في تصريحات من أثينا يوم 20 مايو 2010 نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط بعد القمة الايطالية المصرية إن الرئيس مبارك أكد أن قمة الاتحاد من أجل المتوسط «لكي تنجح ونضمن أكبر مشاركة فيها من الجانب العربي وحتى لا يحدث ما حدث في قمة لشبونة فلا بد من التوصل إلى صياغة تُرضي الجانب العربي في بيان ختامي أو أي وثيقة تصدر عنها تتضمن الحد الأدنى لإنجاحها». وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي كان أصدر بيانا قويا في اجتماعاته في 8 سبتمبر 2009، أكد فيه الأسس التي يتبناها الجانب العربي، كما رفض البيان الإشارة إلى أن القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. ولفت السفير عواد إلى أن الرئيس مبارك أكد أيضا لساركوزي وثاباتيرو أهمية المحتوى الاقتصادي في اجتماعات قمة الاتحاد من أجل المتوسط، منوها بأن هذا التعاون لا بد أن يأتي بجديد في مجال التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، ولذلك كان لا بد من تأجيل القمة لإتاحة الفرصة أمام الإعداد الجيد لهذه المواضيع. مصادر رصد ألمانية وروسية أشارت إلى أن تأجيل قمة المتوسط شكل خسارة مرحلية لإسرائيل التي تجد نفسها في الربع الثاني من سنة 2010 في موقع يتزايد انعزالا على الصعيد الدولي. وهكذا حركت تل أبيب ملفات قديمة يعتبرها البعض مبتذلة لإيجاد صيغة تحفظ ماء وجه إسرائيل إذا اجبرت على حضور القمة المؤجلة في نوفمبر بدون ليبرمان، وهي تتصور أن ذلك سيكون كفيلا وحده بتجنيبها قبول فرض مواقف عربية على القمة تعتبر غير مقبولة إسرائيليا. فيوم الأثنين 24 مايو 2010 أوصت الشرطة الإسرائيلية بتوجيه التهم لوزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان ودبلوماسي بارز آخر في تحقيق جديد في قضايا فساد. وتحقق الشرطة فيما إذا كان سفير إسرائيل السابق في بيلاروسيا زئيف بن ارييه سلم ليبرمان وثيقة سرية مرتبطة بتحقيق آخر يتعرض له وزير الخارجية. وصرح ميكي روزنفيلد ان «الشرطة قررت التوصيه بتوجيه التهم لبن ارييه في قضية نقل مواد سرية إلى ليبرمان». وأضاف «نوصي كذلك بتوجيه الاتهام الى ليبرمان لانتهاكه الثقة العامة». ويتعين على النائب العام اتخاذ قرار بشان قبول توصيات الشرطة في عملية تستغرق اشهرا. وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية فان بن ارييه نقل الى ليبرمان خلال زيارة الاخير إلى مينسك في أكتوبر 2008 صورة عن وثيقة سرية متعلقة بالتحقيق. والوثيقة هذه عبارة عن طلب من وزارة العدل الإسرائيلية إلى وزارة العدل في بيلاروسيا للتحقيق في حسابات مصرفية في هذا البلد واستجواب شخصيات عدة في إطار قضية ليبرمان. وواجه ليبرمان الذي يتزعم حزب إسرائيل بيتنا اليميني القومي، وهو الحزب الثالث في إسرائيل من حيث عدد النواب مع 15 نائبا، العديد من التحقيقات منذ عام 1996، إلا أنها لم تسفر عن شيء. المدخل للتصحيح ان الاتحاد من أجل المتوسط الذي يعتبر شراكة متعددة الأطراف لزيادة إمكانية الاندماج والتقارب الإقليمي، فهو ليس اتحادا بالمعنى الحقيقي تحكمه دساتير وقوانين وأنظمة وعلاقات مؤسسية بالمعنى المتعارف عليها، لن يملك إمكانية الحياة والاستمرار والتطور مستقبلا إلا أذا عدل الكثير من أهداف أطرافه الأقوى مرحليا سواء المعلنة أو الخفية. إن هذا الاتحاد وحسب بعض الخبراء هو منفذ لتعاون فعلي جنوب شمال أي البديل لمواجهة جنوب شمال، وإذا لم تتخل دول الشمال المتقدم عن أنانيتها وأحلام استعادة سيطرتها ومواصلة استغلالها لجنوب يعاني حاليا من تخلف مرحلي لا يمكن أن يستمر فهذا هو حكم التاريخ، فإن الاتحاد بصورته الحالية سيلفظ أنفاسه الأخيرة خلال أمد قريب كما حل بعملية برشلونة، فهو امتداد لها وتعميق لمنهجيتها. المدخل لتصحيح مسار الاتحاد هو تخلي أوروبا عن الانحياز للكيان الصهيوني، والحسم بشأن أسس السلام الحقيقي في المنطقة العربية وخاصة إنهاء الاحتلال للأراضي العربية سواء في العراق أو منطقة الخليج العربي وفلسطين وحتى الأراضي المغربية في سبتة ومليلية والجزر الجعفرية. والأمر لا يقتصر على ذلك فيجب أن يكون هناك تخل أوروبي واضح عن مسايرة ومساندة المخططات الأمريكية في المنطقة العربية سواء ما تعلق منها بما سمي مخطط الشرق الأوسط الكبير وعملية تفتيت أقطار المنطقة إلى 54 أو 56 دويلة. إن لفكرة التعاون دون الإقليمي بين دول حوض المتوسط والتى تم الترويج لها منذ عام 2000 داخل المحافل الأكاديمية الأوروبية ارتباطا وثيقا بالتغيرات الإستراتيجية التي بدأت أوروبا تشهدها بالإقدام على توسيع الاتحاد الأوروبي ومن خلال سعى فرنسا بشكل خاص إلى تعزيز موقعها الاستراتيجي في منطقة حوض البحر المتوسط فى مواجهة ألمانيا التي باتت مركز الثقل الأوروبي ولاسيما بعد انضمام دول شرق ووسط أوروبا وبالتالي أصبحت منطقة المتوسط هي عامل التوازن الرئيسي في السياسة الأوروبية الخارجية ما بين التوجهات نحو الشرق والجنوب.