يعلم الخاص والعام أن الحكومة المغربية خصصت للقطاعات الاجتماعية أكثر من نصف مقدرات ميزانيتها،نشدانا لتحسين الوضع الاجتماعي للمغاربة العاملين بالقطاعين العام والخاص،في ظل ظرفية مأزومة عالميا،وذلك من خلال دعمها للطلب الداخلي ووضع مختلف الآليات التي من شأنها تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية وتفعيل السياسات القطاعية،المتعهد بها أمام جلالة الملك والبرلمان،من منطلق علم الحكومة بأن الرفع من مستوى النمو يكون من شأنه توفير الإمكانيات المالية اللازمة للمغرب لتمويل المشاريع الكبرى واكتساب القدرة على التحكم في التوازنات،وهو ما يزيد الثقة في الاقتصاد المغربي ويجعله أكثر جاذبية للاستثمار الداخلي والخارجي. إن مختلف منجزات الحكومة الحالية لحد الآن تعادل حوالي 75 بالمائة مما قامت به الحكومات السابقة منذ سنة 1996،حيث عملت الحكومة على الرفع من ميزانية القطاعات الاجتماعية من 5،92 مليار إلى قرابة 104 مليار،ورفعت كتلة الأجور من حوالي 5،69 مليون درهم سنة 2008 إلى 5،75 مليون درهم سنة 2009،كما عملت على مأسسة الحوار الاجتماعي بشكل غير مسبوق،وعلى الرفع من غلاف صندوق المقاصة من 20 إلى 36 مليار درهم لضمان استقرار أسعار المواد النفطية والمواد الأساسية،وهي زيادة سمحت بانخفاض معدل التضخم من قرابة 7 بالمائة إلى 9،3 بالمائة السنة الفارطة،وتخفيض معدل البطالة من 9،13 سنة 2000 إلى 6،9 سنة 2008 إلى 1،9 حاليا و1،7 سنة 2012،وارتفاع نسبة النمو بحوالي 6،5 بالمائة،وكلها نتائج إيجابية في ميزان الحكومة،تؤكده تقارير المنظمات الدولية التي تشهد بحسن السلوك الحكومي في تدبير الشأن الاقتصادي والاجتماعي،مما لا يبقى معه على الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين،في إطار الاعتراف بالفضل لذويه سوى الإقرار به وأخذه بعين الاعتبار. إن الاستجابة لمطالب النقابات في الحوار الاجتماعي الأخير إلى حد 90 بالمائة من التعهدات، بتكلفة اجتماعية بلغت 18 مليار و916 مليون درهم خلال سنة 2009 في ظل ظرفية الأزمة العالمية والكوارث الطبيعية المفاجئة والمتوالية خلال سنتين متواليتين،كان له تأثير على المغاربة الذين تفهموا الوضعية الصعبة التي تمر بها العديد من اقتصادات الدول المتقدمة وكذا اقتصادنا الوطني،والمجهود الحكومي المبذول من أجل التغلب على هذا الوضع الصعب والدقيق،مما يمكن معه التماس الأعذار للحكومة أمام هذه الظروف الطارئة والقاهرة،وهو ما كان له تأثير واضح مؤخرا في الحركات الاحتجاجية لبعض المركزيات النقابية التي تظاهرت في الشارع بنوع من التعنت،متجاهلة الوضعية الصعبة للبلاد و ظروفه الدقيقة،مما كانت معه حركتها الاحتجاجية هذه محتشمة وخجولة أمام الرأي العام. أن المغرب يواصل عملية البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي،وهو ما يكلف البلاد أرصدة مالية وطنية ودولية باهظة الثمن،ويؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني،حيث أن والي بنك المغرب سبق أن حذر في منتصف السنة الفارطة من أن أي التزام من الدولة بنفقات جديدة يكون من شأنه التأثير سلبا على التوزنات المالية وعلى تنافسية المقاولات،وهو ما يفرض خوض سلم اجتماعي كما نادت به نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب من طرف الفاعلين الاجتماعيين والنقابيين،تتم فيه الاستجابة لأهم مطالب الطبقة الشغيلة والمهنيين بشكل تدريجي،بعيدا عن كل مزايدة أو توظيف سياسوي للأمور،وخاصة من طرف المركزيات النقابية المنتمية إلى صفوف المعارضة، لقد كانت مناسبة إحياء فاتح ماي الأخير مناسبة هامة برز فيها عزوف نقابي ملحوظ وتذمر كبير من مناضلي معظم المركزيات النقابية،من جراء سوء تدبير قادتهم للشأن النقابي في الحوار الاجتماعي الأخير مع الحكومة،حيث تبين أن هناك انخفاضا في نسبة الانخراط في العمل النقابي إسوة بالانخفاض المسجل في العمل السياسي،وهو انخفاض يرجعه البعض إلى التعددية النقابية غير الحقيقية،وإلى سوء تنظيم الجسم النقابي وإلى غياب الديموقراطية الداخلية في صفوفه،إذ لا يزال الجيل القديم بعقليته التقليدية يرأس المكاتب التنفيذية ويهيمن عليها،بشكل لا يؤمن معه بتناوب وتداول الأجيال على تدبير المرحلة،كما يسجل البعض أيضا انعدام التأطير والتكوين وغياب التواصل فيما بين القيادة والقاعدة،بالإضافة إلى غياب الشفافية في عمليات اتخاذ القرارات وتدبير الشأن المالي للنقابة. لقد كان فاتح ماي الأخير مخيبا للآمال حينما سجل الرأي العام الوطني ضعف مسيرات العمال كما وكيفا،حيث كان عدد المشاركين مخجلا جدا،لم يتجاوز 65 ألف مشارك على الصعيد الوطني،حسب أرقام وزارة الداخلية،بعدما كان يتجاوز 200 ألف مشارك في السنوات السابقة،وهو رقم منطقي سبق أن عاشته حتى الهيئات السياسية خلال فترة حملتها الانتخابية الممهدة للانتخابات الجماعية في 12 يونيو الماضي،حيث بعد إقامة حوالي 1700 لقاء تواصلي مع الناخبين،لم يحضرها سوى قرابة 370 ألف شخص فقط، كما أننا سجلنا في فاتح ماي الأخير ضعفا واضحا وتراجعا ملموسا على مستوى التجمعات الخطابية التي افتقدت إلى حسن التنظيم وإلى هاجس الإصغاء والانتباه إلى الكلمات الخطابية المفتقدة للحماسة والحس الوطني الرزين والغيور على القيم الوطنية النبيلة. إن اختلال العمل النقابي يفسر العزوف النقابي السائد في المغرب،وهو ما يشكل خطرا على الديموقراطية الوطنية،حيث لا نتصور تقدما سياسيا واجتماعيا بالمغرب في غياب مركزيات نقابية وطنية قوية،نظرا لكون هذه الأخيرة هي التي تشكل صمام أمان للمغرب وللمغاربة في مجال السلم الاجتماعي المنشود،ومجال الدفاع عن القضايا المطلبية للطبقة الشغيلة في نزاعاتها مع أرباب الشغل،إسوة بما كان عليه الأمر سابقا في العقود الخيرة مع مركزيات من عيار الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديموقراطية للشغل. إن الأزمة التنظيمية التي تعرفها المؤسسة النقابية بالمغرب تفرض اليوم فتح حوار وطني من أجل إصدار قانون أساسي للنقابات إسوة بقانون الأحزاب السياسية،يتم فيه تحديد مفهوم النقابة ومهامها المهنية القطاعية والوطنية الأساسية،بشكل لا تستفيد فيه من دعم الدولة واعترافها بها سوى المركزيات النقابية التي تتوافر على مواصفات أساسية مبدئية وكمية وكيفية ومنهجية أفقية وعمودية وطنية ومحلية،تمييزا لها عن غيرها من النقابات عديمة الوجود على أرض الواقع. [email protected]