جميع المؤشرات تؤكد أن الاقتصاد الوطني تمكن ، خلال السنوات الثلاث المنصرمة، من تحقيق نتائج غير مسبوقة ، خصوصا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار السياق الدولي الذي اتسم بارتفاع كبير في أسعار المحروقات وأهم المواد الأساسية ، وانفجار الأزمة المالية العالمية ، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا التوجهات السليمة التي اختارتها بلادنا اعتمادا على البرنامج الحكومي ، وتم بلورتها أثناء التنفيذ عبر قوانين المالية السنوية التي يكمل ويعزز بعضها البعض .. وفي هذا السياق واصل مجلس الحكومة يوم الخميس مناقشة مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2010 قبل المصادقة عليه وإحالته على مجلس الوزراء ومن ثمة على البرلمان ، حيث يظهر من المعطيات الأولية أن هذا المشروع ، الذي يعتبر الثالث من نوعه في عهد الحكومة الحالية ، ينخرط بشكل كبير في الفلسفة العامة التي حددها التصريح الحكومي ، والتي ترتكز على الرفع من وتيرة النمو والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين وتحصين المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها بلادنا في عهد جلالة الملك محمد السادس . ويتبين من هذه المعطيات أن انشغال الحكومة لم يقتصر فقط على تدبير آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي تفجرت بشكل مفاجىء وإنما امتدت انشغالاتها نحو القيام بإصلاحات جديدة بنيوية وقطاعية لإعداد المغرب لمرحلة ما بعد الأزمة ، وهي إصلاحا ت ترتكز على مخططات مندمجة تهدف بالأساس إلى ضمان توزيع مجالي أكثر توازنا بهدف تعزيز تنافسية وجاذبية بلادنا وتقوية التضامن الاجتماعي من خلال توزيع أفضل لثمار النمو وتحسين مؤشرات التنمية البشرية، ويستتبع ذلك حث القطاع الخاص على المزيد من الاستثمار والإنتاج، خاصة في القطاعات الحاملة للقيمة المضافة والمحدثة لفرص الشغل، والاهتمام بتحسين مناخ الأعمال، ومواصلة إصلاح النظام الجبائي لتخفيف الضغط على المقاولات وتحسين تنافسيتها، واحداث مناطق صناعية مندمجة.. وإذا كان القانون المالي لسنة 2008 شكل توجها مفصليا نحو مواصلة ترسيخ الإصلاحات الهيكلية وإنجاز الأوراش الكبرى المفتوحة ، فإن القانون المالي لسنة 2009 اعتبر محركا للاستراتيجيات القطاعية الجديدة من قبيل مخطط المغرب الأخضر و الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي و الاستراتيجية الجديدة للطاقة واستراتيجية الماء واعتماد سياسة بيئية تدمج البعد الإيكولوجي في مختلف السياسات العمومية والمشاريع التنموية وبلورة استراتيجية لتطوير التكنولوجيات الجديدة والاقتصاد الرقمي بالإضافة إلى المخطط الأزرق والمخططات المرتبطة بقطاعات الخدمات والصناعة التقليدية والتجارة الداخلية و غيرها ، وهو التوجه الذي من المفروض أن يتعزز بفضل مشروع القانون المالي لسنة 2010 عبر الانخراط في فلسفة دعم النمو عبر النهوض بالطلب الداخلي وتشجيع الصادرات ومواكبة المقاولات الصغرى والمتوسطة، و تحريك الطلب الداخلي عبر دعم الاستهلاك وإعطاء دفعة قوية للاستثمار العمومي،وهو الأمر الذي ركزت عليه الحكومة من خلال إشراك القطاع الخاص في أشغال لجنة اليقظة الاستراتيجية التي تم إحداثها لتحديد المؤشرات التي من شأنها تتبع الظرفية. ومن المنتظر أن تتخذ الحكومة مجموعة من الإجراءات والتدابير الإضافية التي بإمكانها الحفاظ على شروط تمويلية مشجعة للمقاولات، وتحفيز المقاولات على استشراف أسواق جديدة وتعزيز دينامية المبادرة الخاصة، فضلا عن الحفاظ على التشغيل في القطاعات التي تأثرت بتراجع الطلب الخارجي، والنهوض بالعرض السياحي وكذا تشجيع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج . وقد شهدت السنة الجارية اتخاذ العديد من التدابير المهمة في هذا المجال ، وهو ما ساهم فعلا ، في التخفيف من حدة انعكاس الأزمة العالمية على الاقتصاد الوطني ، وعلى القدرة الشرائية للمواطنين ، علما بأن العديد من الاقتصادات القوية وجدت نفسها مترنحة تحت وطأة هذه الأزمة .. ولا شك أن الدينامية الجديدة التي ميزت أداء الاقتصاد الوطني في ظل الأزمة ستدفع الحكومة إلى جعل مشروع القانون المالي يرتكز على اختياراتها الساعية لدعم وتيرة النمو والتشغيل وتقوية الطلب الداخلي ، ولن يتأتى ذلك إلا عبر تسريع وتيرة إنجاز الإستثمارات بالقطاعين العمومي والخاص، ومواصلة الأشغال لإنجاز الأوراش الكبرى المهيكلة في قطاعات الموانئ والطرق والطرق السيارة والسكك الحديدية والمطارات والطاقة والسياحة والصناعة والمعادن والتهيئات الحضرية، بالإضافة إلى إيلاء أهمية خاصة لقطاع البناء والأشغال العمومية والسكن الاجتماعي. ومن المؤكد أنه ما كان لهذه النتائج الإيجابية أن تتحقق لولا فعالية الأداء الحكومي المتميز بالانسجام والكفاءة ، بتأطير من الوزارة الأولى ، حيث يحرص الوزير الأول على المتابعة الشخصية لكافة القضايا والملفات من خلال إشرافه على اجتماعات اللجان الوزارية التي تكلفت كل واحدة منها بتدير إحدى القضايا ، ولعل هذا الانسجام وهذا التكامل هو الذي يفسر متابعة مشروع القانون المالي لهذه القضايا حيث أولاها اهتماما خاصا ..