ما يزال دورالأم في الأسرة مركزيا ومحوريا على غرار أدوار الأمهات في مجتمعات العالم كله. وفي السياق ذاته فإن دورها رغم الأثر السلبي لبعض العوامل المستجدة، ما يزال متقدما وفاعلا من حيث وزنه وقوة تأثيره بالمقارنة مع أدوار الأمهات في المجتمعات الصناعية والرأسمالية الغربية. أما مكانة دور المرأة في المجتمع العربي بشكل عام فهي مسألة مشهود بها قولا وفعلا في إطارها التاريخي بدءا من العصور الجاهلية مرورا بمرحلة صدر الإسلام وعبر المرحتلين الأموية والعباسية وصولا الى عهد النهضة ومواقف رموزها المتنورة. غير أن دورها في سياقه التاريخي هذا قد تأثر كثيرا بواقع المرأة في المراحل المختلفة، وهو واقع مرير رغم حالات التحسن النوعي والنسبي مع بعض الاستثناءات النسوية الفردية المتميزة بقوة واقعها الذاتي. تتعرض المرأة في مجتمعات دول العالم الثالث عموما للقهر والتسلط يتمثل أساسا في القهر الذي يتعرض له المجتمع الكبير الذي تعيش فيه، ويتجلى ذلك في القهر الاجتماعي الطبقي داخل هذه المجتمعات، كون غالبيتها مجتمعات ذكورية يتسلط فيها الرجال عليهن بحيث أصبحت تحس بالدونية والاستضعاف وعدم الأمان مهما كانت قدراتها ومكانتها الاجتماعية، بالإضافة الى الدور الذي تلعبه في السياق نفسه بعض المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والتربوية وحتى الإعلامية التي تعزز مثل ذلك الشعور على أساس أنها مخلوق ضعيف وبحاجة الى الوصاية وإشراف الآخرين خاصة في المجتمعات الإسلامية والعربية بالتحديد. فالمرأة العربية رغم التحسينات التي طرأت هنا وهناك لا تتمتع بالمساواة في الحقوق وفي الفرص بل وتعاني من الظلم وتفشي الأمية والجهل على الرغم من حصولها في بعض الأقطار على حقوق قانونية واسعة ومحددة، فإنها في أقطار عربية أخرى ما تزال محرومة من الحد الأدنى لتلك الحقوق فدور المرأة في العمل السياسي مثلا إذا استثنينا التنظيمات السياسية العديدة الملحقة بالنظم السياسية ذاتها يبقى محدودا قياسيا بمشاركة المرأة على الصعيد الدولي مما يجعلها بالتأكيد غير مؤثرة ولا فاعلة داخل النظام السياسي الذي انخرطت فيه... لقد كانت المرأة المغربية دائما امرأة فاعلة في نطاق التنشئة الاجتماعية ولعبت دورا هاما في تنشئة الأبناء التنشئة الوطنية حتى عندما كانت ضحية للأمية السائدة. لقد نجحت بوعيها الفطري ليس في نطاق التنشئة الوطنية السليمة فحسب وإنما أيضا في نطاق الدخول الفعلي في العمل النضالي التحرري على امتداد ساحات الوطن. إن مسألة تغيير وتطوير دور المرأة في التنشئة الوطنية هي مسألة نضالية بكل ما في العبارة من معنى، وهي كذلك مسألة مرهونة بتغيير وتطوير دورها العام والشمولي بإحداث التغييرات الجذرية المطلوبة في المجتمع ككل. فتحرر المرأة وتحرر عملية ممارستها لأدوارها المختلفة ومن ضمنها دورها في التنشئة الوطنية ليست مسألة منفصلة عن ضرورة بناء المجتمع المنشود العادل المستقل اقتصاديا والمتقدم ثقافيا والديمقراطي سياسيا، فلا دور للمرأة في ظل استمرار القهر المتسلط على المجتمع وبقاء القهر الطبقي لقواه السياسية. والتمسك بالمجتمع الذكوري المتخلف اجتماعيا على أساس السيادة الكاملة والهيمنة المطلقة للرجل... فالمرأة مطالبة بأخذ زمام أمورها بيدها والسعي بتحرير نفسها من الوعي الزائف المتراكم على نفسيتها والذي ولَّد لديها عقدة النقص والدونية، هذه مهمة لابد أن تباشرها المرأة سواء على الصعيد الفردي أو على صعيد العمل النسوي المنظم، وإذا ما أنجزت المرأة هذه المهمة يتعين عليها إطلاق إمكاناتها لتوظيفها باتجاه إحداث التغيير الشامل المنشود...