أصاب الذهول و الخرس أبواق الدعاية المغرضة بالجزائر و البوليزاريو التي سارعت قبل أيام لتأويل تصريحات كاتبة الدولة في الخارجية الأمريكية في شأن ملف الصحراء و توهيم الرأي العام باعتبارها نصرا محققا لانفصاليي جمهورية الوهم بعد أن أكدت واشنطن على لسان وزارة خارجيتها أن موقفها بخصوص قضية الصحراء لم يتغير، وأن الحل الواقعي الوحيد لهذا المشكل يظل هو شكل من أشكال الحكم الذاتي . و تلقت آلة البروباغندا العسكرية بتندوف و الجزائر صفعة قوية لم تفق بعد من صدمتها وهي التي حاكت العديد من سيناريوهات التعتيم الوهمية على هامش زيارة كونداليزا رايس لمنطقة المغرب العربي ، و تمادت في نسج أكاذيب و استنتاجات عارية من الصحة و ترويجها مفادها أن المسؤولة الأمريكية أعربت عن إعادة الولاياتالمتحدة لموقفها من النزاع و تراجعها عن دعم ومساندة خيار الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كأرضية للمفاوضات . وكان سفير جمهورية الوهم بالجزائر أول من قاد جوقة التطبيل لانتصار وهمي حين صرح وهو "منتشي" بتنحية بيتر فان والسوم عن مباشرة ملف الصحراء بأن رايس أطلقت رصاصة الرحمة على مشروع الحكم الذاتي , و تلته أقلام صحف الجنرالات بالجزائر في التهريج لنصر ديبلوماسي للجزائر على حساب المغرب من منطلق أن أمريكا المهتمة أكثر بصفقات النفط الجزائري ستراجع موقفها الداعم للمغرب ، واستدلوا للمزيد من توهيم الرأي العام الجزائري بتعذر عقد لقاء بين جلالة الملك محمد السادس و المسؤولة الأمريكية بمناسبة زيارتها الأخيرة للمغرب . و إذا كانت الديبلوماسية المغربية وعلى عادتها المتسمة بالترزن و الحكمة و تفادي الخرجات الغوغائية قد اكتفت بتتبع الوضع دون إبداء أي موقف متسرع خاصة من قرار تنحي بيتر والسوم عن وساطته في ملف الصحراء , فإن الجزائر و صنيعتها البوليزاريو سبقا الأحداث مدعين أولا أن والسوم أقيل بسبب الضغوط الديبلوماسية التي مارساها للتجريح في مصداقيته و حياده و لجر الخارجية الأمريكية الى تبني موقف أكثر حيادا يمكن من إجهاض مشروع الحكم الذاتي في عهد المبعوث الأممي الجديد ، و تمرير خيار الاستفتاء مجددا في محاولة لخلط أوراق الملف مجددا و ربح المزيد من التسويف و الوقت الذي سيكون حتما في صالح المنتفعين و المتاجرين بمعاناة محتجزي مخيمات العار بتندوف . ولم يكد مخرجو هذا السيناريو الخيالي يستفيقون من متعة الحلم المؤقت و المؤثث بالأوهام و الأكاذيب حتى توالت الصفعات والحقائق لتبخر مجددا أوهامهم بعد أن تأكد من جهة أن والسوم لم يقل من مهمته بل هو من طالب إعفاءه ، و من جهة أخرى بعد أن سارعت الخارجية الأمريكية لتصحيح و تبديد التزييف و التأويل المغرض الذي طال تصريحات مسؤولها الأول مؤكدة دعوتها طرفي النزاع الى الالتزام بالقاعدة الأساسية في مسار المفاوضات وهي أن الحل الواقعي الوحيد بالنسبة لقضية الصحراء الغربية يظل في منظور أمريكا هو شكل من أشكال الحكم الذاتي يلقى رضا الطرفين ، و مجددة التأكيد على أقوال رايس بالمغرب بأن أفكارا جيدة مطروحة على مائدة المفاوضات ( في إشارة للمقترح المغربي ) وبأنه لا حاجة للعودة مجددا الى نقطة الصفر بالنسبة لمسار الملف و هو بالتحديد ما تسعى الجزائر الى الوصول اليه . و يبدو أن الجزائر و البوليزاريو واقعان الآن في مأزق ديبلوماسي و سياسي كبير ، فهما معا صفقا و ثمنا التصورات التي عبرت عنها رايس و المبنية على ثلاث خطوات تتضمن التسريع بايجاد حل نهائي للصراع الذي طال أمده وانخراط غير مشروط في تطبيع العلاقات بين دول المغرب العربي و التعاون والشراكة للتنمية ومحاربة الارهاب الذي يتهدد المنطقة ككل . ويطرح هذا الالتزام مسؤوليات الطرفين معا في التعامل إيجابيا مع المفاوضات في إتجاه تحقيق تقدم ملموس لمسارها في اتجاه حل سياسي مرضي و مقبول وواقعي ، ثم إن أية محاولة من هذين الطرفين مجددا لتلغيم الملف و لخبطة أوراقه مجددا من شأنه أن يؤكد للمنتظم الدولي سلوكهما العبثي وغير المسؤول خاصة في ما يخص مدى إستيعاب الجزائر للتوصية الأمريكية المتعلقة بضرورة تطبيع علاقتها مع جارها المغرب . و في انتظار ما ستؤول اليه الأحداث في ظل الأدوار الجديدة المنوطة بالموفد الأممي الجديد الذي يستوعب كثيرا التضاريس السياسية للمنطقة ، و لن يغامر بتغيير جذري لآفاق الحل السياسي الذي تشجعه الأممالمتحدة دون إهمال خلفيته كديبلوماسي تابع لأمريكا العازمة على تسريع وتيرة إيجاد الحلول الجذرية لمشاكل المنطقة لاعتبارات إستراتيجية معروفة . لا مجال للشك بأن إندفاعية و غوغائية وتسرع مواقف الجزائر و البوليزاريو كلها عوامل ساقتهما مجددا للسقوط في ورطة سياسية معقدة لا مجال للخروج من قوقعتها الى التحلي بالواقعية و نبذ العناد و التشفي الذي لا طائل منه الا المزيد من الزلات والسقطات المؤلمة....