أعمال الشرطة الإدارية من اختصاص رئيس المجلس الجماعي ولايمكن التنازل عنها حتى لو ارتبط الأمر بعقد امتياز لمخالفة ذلك النظام العام نشرت وزارة العدل على موقعها عبر الأنترنيت القرار عدد 825 بتاريخ 7 نوفمبر 2007 في الملف عدد 6/06/144 و6/7/138 الصادر عن محكمة الاستئناف الإدرية بالرباط، القاضي بأن عقل السيارات بأفخاخ من قبل شركة خاصة صاحبة الامتياز، وفرض مبلغ مالي لقاء دفع هذا العقل أو الحجز يشكل عملا غير مشروع من جانبها ولو استندت فيه إلى بند من عقد الامتياز الذي يسمح لها بذلك، مادام هذا البند مخالفا للقواعد القانونية وللنظام العام الذي لا يُجيز تفويض أعمال الشرطة الإدارية ولا التنازل عنها للغير. قبل مناقشة هذا القرار أرى من الواجب التنويه بعمل المحكمة الاستئنافية الإدارية بالرباط التي سعت منذ إنشائها إلى الانفتاح على العالم الخارجي ووضع عملها ونشاطها بين يدي المهتمين خاصة والمواطنين عامة، انسجاما مع السياسة التي نهجتها الدولة في ظل الشفافية والعلانية التي تعتبر من أهم المبادئ التي يسند عليها القضاء في المغرب وسيكون مفيدا لو سلك المجلس الأعلى للحسابات هذا النهج لأن لا شيء يمنعه من نشر الأحكام الصادرة عنه باسم صاحب الجلالة. كما أنه بالمناسبة سيكون من العدل توجيه شكر لوزارة العدل على المجهودات التي بذلتها في إطار نشر المعلومة القانونية، لكن حبذا لو سار على هذا النهج القضاء العادي سواء على مستوى المحاكم الابتدائية أو الاستئنافية التي ظلت بعيدة عند هذا التطور والعولمة لما في ذلك من انتقاص من مجهودات العاملين في هذا المجال، خاصة أن محكمة الاستئناف بالرباط كانت سباقة إلى هذا الانفتاح إلى أن تقوقعت على نفسها في الآونة الأخيرة رغم ما تزخر به من طاقات نشيطة على مستوى النفوذ الترابي لها. وبرجوعنا إلى الموضوع نرى من الفائدة التذكير أنه إلى حدود سنوات قليلة خلت كان سكان مدينة الرباط يركنون سياراتهم بالطرق العامة في مأمن من كل مناوشة، وقد يتفضلون بمنح حراس السيارات بعض الإتاوات مقابل الحراسة، إلى أن تفتقت عبقرية المجلس البلدي لحسان الذي منح امتياز تسيير المرافق العامة لشركة أجنبية، التي لا تقوم بأي عمل سوى صباغة أجزاء من الطرق العامة بطلاء أزرق ثم تضع آلة لسحب التذكرة مقابل مبلغ مالي يحدد بإرادة منفردة من طرف الشركة المعنية. وفي حالة عدم الأداء أو الأداء الجزئي يقوم أعوان الشركة بوضع الفخ على عجلة السيارة ولا يتم سحبه إلا بعد أداء غرامة لا تقل عن 40 درهما وكذا مصاريف المكالمة الهاتفية مع العون. إن التفسير القانوني لهذا العمل هو أننا رجعنا إلى عهد العدالة الخاصة حيث يقوم «المجني عليه» بالاقتصاص لنفسه من الجاني دون أن يراعى في ذلك وجود جهة قضائية يعود الاختصاص فيها لها باعتبارها الحامي الطبيعي للقانون ولا غرو أن عملا من هذا القبيل يمس بهيبة الدولة والسلطات المكونة لها. لذلك قد نرى مستقبلا أن الشركة المكلفة بتزويد المواطنين بالماء أو الكهرباء أو غيرها من الخدمات توصد أبواب المنازل بالأفخاخ إلى حين أداء المبالغ المحددة في فاتورة الاستهلاك،،، وقس على ذلك!! الشرطة الإدارية واختصاص رئيس المجلس الجماعي: إن الشركة المعنية تستند في ما تقوم عليه إلى عقد الامتياز الذي يربطها بالمجلس الجماعي، إلا أن هذا العقد رغم صحته من الناحية الشكلية فإنه من حيث الموضوع يتعلق بأهم اختصاص تنازلت عليه الدولة لفائدة الجماعة المحلية وهو الشرطة الإدارية أو«البوليس» الإداري. ويرى جانب من الفقه ومن بينهم الأستاذ محمد المرغيني في كتابه: ( المبادئ العامة للقانون الإداري) طبعة 1980 بالصفحة 308، أن الشرطة الإدارية شديدة الارتباط بالإدارة ولصيقة بها، وبالتالي فليس لها أن تتنازل عنها للغير أو تتخلى عن مهمتها هذه للخواص كما تفعل مثلا في إدارة المرافق العمومية عن طريق الالتزام، لاسيما وأن غاية الشرطة الإدارية هو الحفاظ على النظام بمفهومه الثلاثة: الأمن العام، والصحة العامة، والسكينة العامة. وهذا ما أكدت عليه المادة 49 من الميثاق الجماعي الحالي عندما نصت على أنه يمارس رؤساء المجالس الجماعية، بحكم القانون اختصاصات الشرطة الإدارية الجماعية والمهام الخاصة المخولة بموجب النصوص التشريعية التنظيمية المعمول بها إلى الباشوات والقواد باستثناء بعض الاختصاصات المذكورة على سبيل الحصر، ومن تم يدخل في اختصاص رئيس المجلس الجماعي بموجب المادة 50 اختصاصات الشرطة الإدارية في ميادين السكينة العمومية وسلامة المرور. لذلك فإن كل هذه الاختصاصات خاضعة للرقابة القضائية سواء من حيث المشروعية أو الملاءمة. وعلى هذا الأساس يأتي القرار موضوع النقاش الذي اعتبر أعمال الشرطة الإدارية من صميم اختصاصات رئيس المجلس الجماعي ولا يمكن له التنازل عليه لفائدة الغير حتى لو كان هذا الغير يرتبط معه بعقد امتياز لما في ذلك من مخالفة صريحة للنظام العام، كما أن حجز السيارة من قبل صاحب الامتياز يعد عملا غير مشروع. مسؤولية وزارتي العدل والداخلية: هذا ومادام أن القضاء اعتبر تصرفات كل من المجلس الجماعي والشركة صاحبة الامتياز عملا غير مشروع. فما هو العمل لتصحيح الوضع؟ أرى بداية أن هناك مجالين للتدخل، مجال الوصاية الادارية الممثلة، في وزارة الداخلية ومجال الحفاظ على النظام العام الممثل في وزارة العدل. فبالنسبة للوصاية فقد حددت المادة 68 من الميثاق الجماعي صلاحيتها والهدف منها عندما نصت على أن صلاحيات الوصاية المخولة للسلطة الادارية بمقتضى هذا القانون، تهدف إلى السهر على تطبيق المجلس الجماعي وجهازه التنفيذي للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل وكذا ضمان حماية الصالح العام وتأمين دعم ومساعدة الادارة. إذن أهم ما تضمنته الوصاية الادارية مراقبة مدى مشروعية القرارات الادارية ولاسيما تلك الواردة بمناسبة الشرطة الادارية. خاصة، أن المادة 76 من الميثاق الجماعي علقت تنفيذ كل المقررات التنظيمية المتخذة من طرف رئيس المجلس الجماعي في مجال الشرطة الادارية وغيرها إلا بعد حملها تأشيرة وزير الداخلية أو من يقوم مقامه. ويقصد بالتأشيرة المصادقة على القرار التنظيمي بعد دراسته والتأكيد من مشروعيته من طرف مصالح وزارة الداخلية ومادام أن القضاء بت في المشروعية واعتبرها منعدمة في هذه النازلة أصبحت وزارة الداخلية ملزمة باتخاذ القرار المناسب تحت طائلة المسؤولية الادارية لوزير الداخلية. اما بالنسبة للنيابة العامة حسب مضمون المسطرة الجنائية فهي المختصة بإقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها وتطالب بتطبيق القانون. ويعتبر وزير العدل الرئيس التسلسلي للنيابة العامة في المغرب. لذلك يكون كل من وزير الداخلية ووزير العدل ملزمين بالحرص على تطبيق القانون، بحكم نصوص هذا القانون. ومادام الأمر كذلك وإذا كان القضاء قام بمهمته عندما قضى بعدم مشروعية ما تقوم به الشركة صاحبة الامتياز، فإن الحراك والنقاش يجب أن يمارس داخل مجال السلطة التنفيذية. جريمة الغدر: وفي هذا الاطار مادام أن القضاء الاداري قضى بفرض مبلغ مالي لقاء رفع عقل السيارات بأفخاخ يشكل عملا غير مشروع من جانب الشركة صاحبة الامتياز فإن هذا التصرف يعتبر غدرا في حكم القانون الجنائي طبقا للفصل 243 الذي نص على انه يعد مرتكبا للغدر، ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس وبغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم، كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى أو فرض أوامر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق.. وتضاعف العقوبة إذا كان المبلغ يفوق مائة ألف درهم. مفهوم الموظف العمومي: قد يقول قائل أن رئيس المجلس الجماعي لا يعتبر موظفا في مفهوم قانون الوظيفة العمومية. غير أن هذا الدفع مردود في مجال الأفعال الاجرامية. ذلك أن الفصل 224 من القانون الجنائي يعرف الموظف العمومي بأنه كل شخص كيفما كانت صفته يعهد إليه في حدود معينة مباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام. ومن تم يكون رئيس المجلس الجماعي موظفا عموميا سواء مدة انتخابه أو المدة التي تليها إذا كانت صفة الموظف سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها. الحفاظ على هيبة القضاء: والحاصل فإن كلا من وزير الداخلية ووزير العدل والنيابة العامة بمدينة الرباط وعمدة المدينة ملزمون بالتضامن باتخاذ الإجراءات القانونية حفاظا على هيبة القضاء ومصداقية الأحكام الصادرة في مجال الشرطة الادارية لارتباطها المباشر بالمواطن والأمن العام. كما أن المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارتي الاقتصاد والمالية والداخلية مسؤولون عن احترام المشروعية كل حسب اختصاصاته.