أنات وشكاوى تنفذ بالكاد من بين شفاه مطبقة... شهادات وحكايات أغرب من الخيال... أشد وطأة من العنف نفسه الذي جاءت هؤلاء النسوة لكشفه أمام قاعة المحكمة الرمزية التي دأب اتحاد العمل النسائي على تنظيمها... لتتولى كل طبعة تبني قضية تؤرق الواقع النسائي ببلادنا... في طبعتها الحادية عشر التي دارت أطوارها في ردهات القاعة الكبرى بالمعهد العالي للقضاء، كانت حيثيات الأحكام... والمرافعات والشهادات ومنطوق الحكم وتوصيات المحكمة كلها تنطق لغة واحدة؛ تدين كم العنف الذي يطال النساء، وكان شعار المحكمة هو ضرورة الإسراع بإصدار قانون يجرم الفعل ويحمي المرأة من هذه الآفة التي أصبحت عقبة حقيقية في وجه التنمية... ومن أجل ذلك انعقدت المحكمة من أجل «قانون لمناهضة العنف ضد النساء يضمن الوقاية والحماية وعدم الإفلات من العقاب». في هذه الشهادات، اختلفت الأسماء... والمراكز الاجتماعية والمستوى الثقافي، لكنها تلاقت عند مؤشر واحد وقاسم مشترك، وضع كل الضحايا في خانة واحدة وهي المعاناة وقهر العنف والضياع الذي تعانيه النساء في كل المجالات... في كنف الأسرة في عقر البيت الزوجي الذي كان ينتظر أن يكون عش أمن وأمان... في مكان الشغل حيث يعيث المشغل بكرامة امرأة... خرجت للحياة للبحث عن لقمة عيش شريفة مدموغة بعرق الجبين... فتتعرض للتحرش والاغتصاب والترغيب والترهيب بالسقوط في أتون الفساد... كن نساء ضحايا العنف بكل أطيافه الاجتماعي والاقتصادي... أسماء متعددة من مناطق مختلفة من المغرب جئن ليكتبن بالدموع والألم والوجع حيثيات أحكام وتوصيات المحكمة الرمزية... هي فاطمة وحليمة ومريم.... وو.... حكايات ووجع يدين قصور القوانين... والتقاعس والتماطل الذي تعرفه هذه القضايا حين يكون الجلاد زوج والضحية زوجة وكأن عقد الزواج هو وثيقة تبارك هذه التصرفات... حيث قالت شاهدة من البيضاء؛ أن زوجها كان يضربها في الشارع ويركلها على مستوى البطن مما أدى إلى تكسير أضلاعها وإحداث عاهة مستديمة أقعدتها عن العمل... كل ذلك كان يتم على مرأى من المارة... وكان الزوج يرد كل محاولة لصرفه عن تعنيف هذه المرأة... «ماشي شغلك هذي مراتي..». أيضا الفصل 49 من المدونة حول الأموال المشتركة للزوجين كان حاضرا ضمن هذه الحيثيات. فالسيدة زهور من الرباط موظفة متقاعدة،، تعاني بعد زواج دام أزيد من أربعين سنة من الطرد من بيت الزوجية والإلقاء بها في الشارع بسبب تصرف رجل لم يراع العشرة والمودة... واستمعت هذه المحكمة لشهادات نساء، عانين ولازلن من أشكال متعددة من العنف، تتوخى تحسيس المسؤولين وأصحاب القرار والرأي العام بخطورة العنف الممارس على النساء، وبتكلفته الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، وتهدف المحكمة إلى تحسيس تلك الجهات بقصور القوانين الحالية عن حماية النساء من العنف، وبضرورة وضع قانون لمناهضة العنف ضد النساء يضمن الوقاية والحماية وعدم الإفلات من العقاب. وعرفت هذه المحكمة مشاركة نخبة من القضاة والمحامين والمختصين وممثلين عن المجتمع السياسي والمدني، تكاثف الجميع من أجل إصدار توصيات في صيغة حكم يبعث إلى كل الجهات المعنية. المحكمة هي محكمة رمزية تشكلت من محاميات وبرلمانيات وفاعلات في المجتمع المدني، تهتم بالانتهاكات التي تمس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للنساء، وتعد أداة للتحسيس والتوعية بقضايا العنف والحيف والتمييز، عبر تقديم شهادات حية وأثبتت من خلال أشغالها أنه ورغم إقرار المساواة بين الجنسين، سواء على مستوى الدستور أو مدونة الأسرة، فإن هذه المساواة لاتزال في غالب الأحيان حبرا على ورق، وبعيدة عن التطبيق على أرض الواقع، ولازالت الانتهاكات والخروقات من نصيب النساء، سواء من ناحية الحقوق السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. وأوصت المحكمة التي نظمتها شبكة النجدة التابعة لاتحاد العمل النسائي، بضرورة تفعيل دور القضاء في حماية المرأة المعنفة، وذلك من خلال التعجيل بالتقصي والبث، وتفعيل دور النيابة العامة في التمكين من وسائل الإثبات أخذا بعين الاعتبار مصلحة الطفل، ودفع المؤسسة التشريعية إلى سن قانون عام في هذا الخصوص. من أجل ذالك . أوصت المحكمة بضرورة تفعيل دور القضاء في حماية المرأة المعنفة، وذلك من خلال التعجيل بالتقصي والبث، وتفعيل دور النيابة العامة في التمكين من وسائل الإثبات أخذا بعين الاعتبار مصلحة الطفل، ودفع المؤسسة التشريعية إلى سن قانون عام في هذا الخصوص. وتضمنت التوصيات ، أيضا ، ضرورة توعية النساء بالحقوق التي يكفلها لهن القانون عبر كافة مكونات وسائل الإعلام، وإدانة العنف في حق المرأة واعتبار مناهضته مسؤولية الجميع أفرادا ومؤسسات، كل في مجاله، مع العمل على تحسين صورتها في وسائل الإعلام.