تعد الأزمة الاقتصادية التي هزت خلال السنوات الأخيرة الاقتصاد العالمي ضاربة إياه في الصميم والعمق من المواضيع الشائكة التي تؤرق بال الباحثين والخبراء الاقتصاديين والمهتمين مستوجبة بالتالي تحليل اسسها ومسبباتها وبالتالي تأثيراتها على الاقتصاديات النامية ومن بينها المغرب والإجراءات التي اتخذتها سلطات هذا الأخير قبل التطرق في النهاية إلى الحلول الملائمة لمواجهة العولمة الليبرالية. من هذا المنطلق يتوجب القول بأن الأزمة المذكورة هي عامة وشاملة بحيث أنه من الخطأ الاعتقاد بأنها مالية أو تهم الأبناك والبورصات تحديدا بل إنها مست الاقتصاد في جميع جوانبه وهي تأتي في سياق أزمة النظام الرأسمالي شابهة إلى حد كبير الانهيار الخطير الذي وقع ما بين 1870 و1896 والذي استمر زهاء عشرين سنة. I ) قصد فهم ما وقع: لفهم الأسباب الكامنة وراء الأزمة الحالية لابد من الرجوع إلى ظرفية التي ميزت الاقتصاد العالمي منذ 2004إلى 2008 حيث تميزت هذه المرحلة بالارتفاع المهول في أثمنة المواد الأولية بصفة عامة كالبترول مما أدى الى ارتفاع الاحتياطات من العملة الصعبة لدى الدول النامية ليصبح هذا الاحتياط 4600 مليار دولار لدى 166 دولة فيما كان ثلث هذا الرقم لدى الدول المتقدمة وهو ما دفع إلى شراء سندات الخزينة من الولاياتالمتحدةالأمريكية بقيمة بلغت 700 مليار دولار، وسعت الدول المصدرة للبترول إلى شراء الشركات المفلسة في وقت قامت فيه دول أخرى إلى سداد ديونها الخارجية قبل الآجال المحددة فيما سعت أخرى إلى اقتناء الأسلحة بكميات كبيرة. هذا ولم تستعمل هذه الاحتياطات في الاستجابة لحاجيات المواطنين رغم ظهور بعض المحاولات لذلك كما وقع في أمريكا الجنوبية حينما سعت بعض الدول الى تأسيس بنك الجنوب إلا أن المشروع لقي صعوبات كبرى في نفس الفترة ظهرت دول كبيرة كالصين ولكنها تعمل في إطار الاقتصاد المعولم ودول أخرى سلكت خيارات لخدمة المواطنين وتأميم بعض الشركات كما وقع في بوليفيا. 2) الأسباب البنيوية للأزمة العالمية: عرف العالم فائضا في الإنتاج مقابل نقص في الاستهلاك في وقت لجأت فيه بعض الدول الى الاستدانة وكذا نفس الشيء بالنسبة للأفراد سيما في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تعرف بكثرة الاستهلاك والتبذير عن طريق المديونية، وغزت المضاربات الأسواق العالمية حيث عرفت سيولة قدرت بأكثر من 200 مليار دولار في الأسواق المالية مما كان يهدد بحدوث أزمة مالية شبيهة لما عرفته آسيا سنتي 1997 و 1998. أما بالنسبة لزسباب الأزمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية فتعزى حسب بعض الباحثين الى عجز الادخار الداخلي والعجز التجاري الخارجي، ومعروف عن اقتصاد أكبر دولة رأسمالية أنه يعيش على العجز وما تفرزه الأزمات الاقتصادية الخارجية، وهي تبني اقتصادها على المستوى المالي والمضارباتي مما يحقق أرباحا مالية ضخمة دون مجهود ودون أن يلبي ذلك الحاجيات الفعلية والضرورية للمواطنين. ويتميز النظام البنكي الأمريكي بكثرة منح القروض دون أن يتم التأكد من قدرة المستدينين على دفع ما بذمتهم لتتحول بعد ذلك القروض الى سندات تروج في دول أخرى ولهذا وصل أثر الأزمة المالية إلى دول عديدة كما هو الحال في أوربا. كما أن لا أحد كان ينتظر نزول أسعار العقار في أمريكا الذي يعتبر ضمانا للقروض التي تعطى حسب القيمة الآنية للعقار وافتراض ارتفاع قيمته مع مرور الوقت ليتم بالتالي تسليم قروض جديدة على مايعتقد أنه إضافة جديدة في قيمة العقار. ولكن لما انخفض هذا الأخيرولم يعد المواطن قادرا على الدفع وتراكمت الديون عليه مما أثر بشكل مباشر على الأبناك والبورصة وانتشر ذلك بسرعة إلى بقية الدول التي تقتني مؤسساتها السندات. في دول الجنوب انخفضت قيمة المواد الأولية كالبترول الذي انتقل من 144 دولار للبرميل إلى 35 دولار شهر أبريل 2009 فيما تراجعت احتياطات الصرف لدى الدول النامية مما دفعها إلى البحث عن مزيد من التصدير وبكميات كبيرة من أجل الحصول على العملة وهو مايؤدي إلى استنزاف الثروات في وقت ارتفع فيه سعر الفائدة في دول الجنوب بسبب طلب قروض جديدة مما يحتمل مع تفاقم حجم المديونية وخلق أزمة إضافية أخرى. 3- الوضع في المغرب: بالنسبة للمغرب يتعين التركيز على القطاعات الداعمة للاقتصاد الوطني كالفلاحة التي تساهم ب 15% من الناتج الداخلي الخام والسياحة كمورد أساسي ب 58.6 مليار درهم أي 9.8% من الناتج الداخلي الخام سنة 2007 وتحويلات العمال المغاربة بالخارج التي انتقلت من 55.1 مليار درهم أي مايوازي 7.89% من الناتج الداخلي الخام سنة 2007 إلى 53.7 ملياردرهم السنة الموالية. أما فيما يخص الصادرات وأهمها الفوسفاط الذي در على الخزينة 37.5 مليار درهم من يناير إلى غشت 2008 لتصل بعد في غضون 8 أشهر إلى 167.4 مليار درهم أي مايمثل 24.56% من الناتج الداخلي الخام دون الحديث عن الاعفاءات الضريبية التي وصلت سنة 2008 إلى 94،26 مليار درهم مسجلة ارتفاعا ب 14% مقارنة مع السنة السابقة (2007) فيما سجل الميزان التجاري عجزا سنة 2007 وصل إلى 7،40% وارتفع عجز المبادلات الخارجية سنة 2008 ليصل إلى 8،167 مليار درهم أي ما نسبته 5،23% من الناتج الداخلي الإجمالي فيما وصلت مديونية المغرب سنة 2008 الى 5،400 مليار درهم مسجلة ارتفاعا بقيمته 0,93 % بسبب ارتفاع فاتورة النفط المستورد في مرحلة أوج ارتفاع أثمانه. هذا وحسب بنك المغرب فقد تراجعت نسبة الاستثمارات الأجنبية ب 7،28% وانسحبت مقاولات معروضة من بعض المشاريع كما وقع بالنسبة لمشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق فيما انخفضت احتياطات الصرف ب 4،3% بحيث أضحت تغطي واردات 6 أو 7 أشهر في وقت كانت فيه تغطي واردات 9 أشهر فيما وصلت نسبة التضخم الى 9،3% سنة 2008. وأمام هذا الوضع لم يكن أمام الحكومة المغربية الا اتخاذ مجموعة من التدابير في إطار مخطط استعجالي شملت ثلاثة قطاعات هي النسيج والجلد والسيارات. وفيما يتعلق بالجانب الاجتماعي فتتحمل الدولة نسبة 30% من مساهمات الشركات المتضررة في الضمان الاجتماعي لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد وذلك ابتداء من يناير 2009 بشرط الحفاظ على الشغل مع السماح بتخفيض عدد العمال لا يزيد عن 5% ودفع المقاولات حدا أدنى من الأجر للعمال الذين يسمح لهم من الاستفادة من خدمات الضمان الاجتماعي وذلك الى حدود 60% من الدخل. وبخصوص الجانب المالي تضمن الدولة في إطار صندوق ضمان الاستهلاك 65% من القروض الخاصة بالشركات في حدود 2 مليون درهم في حالة العجز عن الأداء. وفي مجال التصدير تتكفل الشركة المغربية لتأمين الصادرات بنسبة 20% فقط بينما تتحمل الدولة 80% من التكلفة. وقد قامت إدارة الجمارك بإجراءات أخرى منها تعجيل إجراءات إعادة التصدير بالنسبة للشركات التي عندها مشاكل أو التمديد في آجال الاستيراد المؤقت مع امكانية تحويل سلعها الى السوق الداخلي في حدود 5%. 4 - الحلول الممكنة للأزمة: يرى بعض المختصين بأن الحلول يجب أن تكون شاملة ومن ضمنها وقف مسلسل الخوصصة ومراقبة حركة رؤوس الأموال وفرض ضريبة على المعاملات المالية في أسواق البورصة مع وقف شراء سندات الخزينة خاصة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وخلق حركة اندماجية على مستوى اقتصاديات الجنوب وخلق كارتيلات من قبل الدول المصدرة للمواد الأولية حفاظا على استقرار الأثمان وأخيرا البحث عن القنوات الممكنة لمخاطبة الرأي العام الغربي وتحسيسه بالمصير المشترك للانسانية وضرورة تخليه عن تعاليه المفرط والمرضي أحيانا..