تشكل الذكرى ال`63 لزيارة الوحدة التي قام بها جلالة المغفور له محمد الخامس إلى طنجة سنة 1947 والذكرى ال`54 لزيارته إلى تطوان سنة 1956، اللتان يخلدهما الشعب المغربي اليوم الجمعة، معلمتين وضاءتين في رقيم الذاكرة الوطنية، ووقفة للتدبر والتأمل وفسحة لتنوير أذهان الناشئة والأجيال الصاعدة والقادمة بملاحم الكفاح الوطني دفاعا عن مقدسات البلاد وثوابتها. كما أن هذين الحدثين المجيدين يشكلان مناسبة لإثراء الذاكرة الوطنية وصيانتها والتعريف بفصول الكفاح الوطني لتستلهم الأجيال الحاضرة والقادمة معاني الوطنية الخالصة لإذكاء قيم المواطنة والعمل المتواصل البناء إعلاء لصروح المغرب الجديد، مغرب الحداثة والديمقراطية والتنمية الشاملة والمستدامة تحت القيادة الحكيمة والمتبصرة لجلالة الملك محمد السادس. إن هاتين الذكريين، وغيرهما من الملاحم الوطنية التاريخية، تتوخيان، بالأساس، تأكيد العمل المتواصل من أجل تثبيت أمجاد الأمة المغربية على طريق الازدهار الشامل، حتى تتبوأ في عالم اليوم والغد مكانتها المتقدمة بين أمم العالم، أمة واحدة بانية وعاملة ووفية لماضيها وتراثها ومعالم نضالها وقيم جهادها الحضاري، وكذا لإبراز فصولها الخالدة ومكانتها الوازنة والمتميزة في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية. فالبفعل، شكلت هذه الزيارة الملكية منعطفا هاما في مسيرة النضال الوطني من أجل الاستقلال وفصلا متميزا بين عهدين : عهد الصراع بين القصر والإقامة العامة والنضال السياسي لرجال الحركة الوطنية وعهد الجهر بالمطالبة بحق المغرب في الاستقلال أمام المحافل الدولية وإسماع صوت المغرب بالخارج، والعالم آنذاك بصدد طي مرحلة التوسع الاستعماري والدخول في طور تحرير الشعوب وتقرير مصيرها. لقد كانت هذه الزيارة التاريخية لجلالة المغفور له محمد الخامس عنوانا بارزا لوحدة المغرب وتماسكه وبالتالي مناسبة لطرح مسألة استقلال البلاد وحريتها. وفي يوم 9 أبريل 1947 توجه جلالته رحمه الله على متن القطار الملكي انطلاقا من مدينة الرباط نحو طنجة عبر مدينتي سوق أربعاء الغرب ثم القصر الكبير فأصيلة التي خصص بها سمو الأمير مولاي الحسن بن المهدي استقبالا حماسيا احتفاء بمقدمه طيب الله ثراه في حشد جماهيري عظيم، هذه الصورة كسرت العراقيل التي دبرتها سلطات الاستعمار ليتأكد بذلك التلاحم المتين والأواصر القوية التي جمعت على الدوام بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الأبي. وقد خصصت ساكنة طنجة استقبالا حارا للموكب الملكي، جددت من خلاله تمسكها وتفانيها في الإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها واستعدادها للدفاع عن كرامة البلاد وعزتها. وقد جاء الخطاب التاريخي الذي ألقاه المغفور له محمد الخامس بطنجة ليعلن للعالم أجمع عن إرادة الأمة وحقها في استرجاع استقلال البلاد ووحدتها الترابية حيث قال جلالته «إذا كان ضياع الحق في سكوت أهله عليه فما ضاع حق من ورائه طالب، وأن حق الأمة المغربية لا يضيع ولن يضيع ...». لقد كان خطاب جلالة المغفور له رسالة واضحة المعالم والمضامين لأصحاب المطامع الاستعمارية، حيث أوضح أن عرش المغرب يقوم على وحدة البلاد من شمال المغرب إلى أقصى جنوبه، وأن مرحلة الحماية ما هي إلا مرحلة عابرة في تاريخ المغرب، شكلت في حد ذاتها حافزا رئيسيا لوعي المغاربة بأهمية الموقع الجغرافي الذي يحتله المغرب. وكان لهذه الزيارة جانب روحي، إذ ألقى أمير المؤمنين جلالة المغفور له محمد الخامس يوم الجمعة 11 أبريل خطبة الجمعة وأم المؤمنين في الصلاة بالمسجد الأعظم بطنجة، وحث الأمة المغربية على التمسك برابطة الدين فهي الحصن الحصين للأمة المغربية ضد مطامع الغزاة. وجاءت زيارته رضوان الله عليه لمدينة تطوان في تاسع أبريل 1956، ليزف منها بشرى استقلال الأقاليم الشمالية وتوحيد شمال المملكة بجنوبها، وكان رحمه الله قادما من إسبانيا بعد أن أجرى مع القادة الإسبان مفاوضات تهم استكمال الوحدة الترابية للمملكة والتي توجت بالتوقيع على معاهدة 7 أبريل 1956 التي تعترف بموجبها إسبانيا باستقلال المغرب وسيادته التامة على كافة أجزائه.