أثار تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير ردود فعل متباينة. وقد كانت القوى الديمقراطية والوطنية دائما تطالب بالحفاظ على المال العام وحفظه وصونه من الأيادي التي تمتد إليه، وتطالب بتطبيق القانون وإنشاء مؤسسات للمتابعة والفحص والحساب. وقد عرف مغرب ما بعد الاستقلال حالات كثيرة للتطاول على المال العام، منها تلك التي عرفها في سنوات السبعين أو تلك التي عرفها في منتصف الثمانينيات والتي لم تنفجر إلا في سنوات التسعين ومست عددا من المؤسسات العمومية وشبه العمومية حيث تعرضت أموال هذه المؤسسات للتبديد والاختلاس. وقد تفجرت هذه القضية وفتحت بشأنها متابعات قضائية ماراطونية تأرجحت بين الإدانة والبراءة والمطالبة باسترداد الأموال المنهوبة. وقد أثارت تلك المحاكمات عددا من ردود الأفعال تمحورت كلها حول مساوئ الإفلات من العقاب خصوصا فيما يتعلق بالقضايا من هذا النوع، والتي تكون فيها الأموال العمومية عرضة للسرقة والتبديد. والواضح أن المغرب يسير حاليا في طريق إرساء الشفافية وحماية المال العام من النهب عن طريق عدد من المؤسسات ومنها على الخصوص المجلس الأعلى للحسابات الذي أصبح يؤدي دوره بصفة عادية، هذا إضافة إلى لجن الافتحاص. ومن المؤكد أن هذا المسار هو المسار العادي لكل دولة ديمقراطية تريد إرساء هيبة المؤسسات وتحميها من النزوات الشخصية. ولعل ذلك ما يسير عليه المجلس الأعلى للحسابات في التقرير الذي أصدره أخيرا. وفي هذا الصدد أكد وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد خالد الناصري يوم الخميس أن التقرير الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات يصدر بصفة عادية ويجب التعامل معه «على أنه عمل مؤسساتي عادي وطبيعي في دولة تبني ديمقراطيتها بإصرار وعزيمة». وأشار الناصري في رد على سؤال خلال لقاء صحافي عقب انعقاد مجلس الحكومة إلى أن سياسة الحكومة في هذا الصدد تتمثل في الشفافية المطلقة وسياسة تحسين أداء المرافق العمومية مبرزا أنه «كلما برز خلل ما يكون على المؤسسات الموكول لها دستوريا العمل على تقويمه، وقال في هذا الصدد «إننا نثق في القضاء وننتظر من المجلس أن يقوم بوظيفته». وأضاف أن التقرير لا يشكل إدانة بصفة أصلية، داعيا الصحافة إلى التقيد بضوابط حقوق الإنسان قبل صدور تقرير الجهة الموكول لها القيام بذلك، وسجل في هذا السياق أن المجلس يشتغل وفق ضوابط وأخلاقيات قانونية ومعنوية رفيعة المستوى. وكان المجلس الأعلى للحسابات قد أصدر تقريره السنوي عن أنشطة المحاكم المالية برسم سنة 2008 الذي يشمل مجموع أنشطته فضلا عن خلاصة الملاحظات والمقترحات التي سجلها بخصوص تحسين تدبير الماليات العمومية وبعض المرافق والهيئات التي كانت موضوع مراقبة. وضمن هذا التقرير الذي نشر في جزءين قامت لجنة برامج وتقارير المجلس الأعلى للحسابات بانتقاء 61 ملخصا للملاحظات الأساسية التي أسفرت عنها مختلف المهام الرقابية المنجزة من طرف المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات، وذلك من أصل 130 تقرير خاص أعدت في إطار مراقبة التدبير ومراقبة استعمال الأموال العمومية برسم سنة 2008.