عقدت منظمة المرأة الاستقلالية صباح الأحد 21 مارس بمراكش ، وفي إطار الاحتفاء بمرور مائة سنة على وفاة زعيم التحرير علال الفاسي، ندوة فكرية حول «موضوع المرأة والأسرة في فكر علال الفاسي». وتميزت فقرات هذه الندوة الفكرية التي عرفت مشاركة ثلة من الأساتذة بعروض قيمة لباحثين وأطر حزبية ومفتشي الحزب ومناضلات حضرن من مختلف أقاليم الجهة وممثلات مكاتب فروع منظمة المرأة الاستقلالية من ولاية مراكش وأقاليم الجهة. في مستهل هذا اللقاء أوضحت الأستاذة سعيدة آيت بوعلي عضو المكتب التنفيذي للمنظمة ومنسقة جهة مراكش في كلمة لها بأنه إذا كان المغرب يحتفل بمائوية الراحل علال الفاسي المتميز بعدة صفات، فإن للمرأة اعتزازا كبيرا بأن تحتفي به ، لا لشيء إلا لأنه أول من جعل المرأة قطب الرحى في تفكيره ونادى بإصلاح وضعها وتمكينها من حقوقها المدنية والسياسية، مشيرة إلى أن الثلثين من كتابه النقد الذاتي كان قد خصصه للنساء ولأوضاعهن. وأضافت بأن فكره هذا وتصوراته للمرأة هي التي جعلت كل نساء المغرب سواء من اليمين الايديولوجي أو من اليسار الايديولوجي أو في الوسط، يستنجدن بشذرات من فكرة وهن يطالبن بأن تتحسن وضعيتهن داخل الأسرة. وأكدت أن احتفاء النساء بالراحل علال الفاسي، هو للاعتراف بالجميل لمن كان سندا للمرأة ودافع عن قضاياها في وقت لم تتجرأ فيه للدفاع عن مطالبها. وسمحت مداخلات الأساتذة المشاركين في الندوة بالوقوف وملامسة الفكر الاجتماعي لدى الراحل وفقرات من كتاب النقد الذاتي، تناولت مواضيع مرتبطة بالأسرة والعلاقة القائمة بين مكوناتها ومشاكلها وكيفية حلها. كما كانت مقاربة لنظرة علال الفاسي كمفكر حقوقي وكفقيه كانت له رؤى واضحة تقوم على فقه المقاصد وأيضا كمجتهد جعل الشريعة مواكبة للتطور الحضاري وتطور القضايا الاجتماعية. وسمحت المناسبة أيضا بإقامة مقارنة بما جاء به الراحل في مواضيع مختلفة مرتبطة أساسا بالولاية والتعدد والطلاق وما أتت به مدونة الأسرة في هذا الإطار وما اعترضها من عوائق في التطبيق. أما الأستاذ مصطفى حدية عميد كلية آسفي، في عرضه حول تصور علال الفاسي للمرأة وللأسرة في بنيتها وأهميتها في النسيج الاجتماعي، أبرز خاصية الفكر الاجتماعي لدى علال الفاسي حيث أوضح أهمية الأسرة في النسيج الاجتماعي وضرورتها في الحياة الإنسانية ككل. وأكد بأن الأسرة نظام اجتماعي، وعكس ما كان يقال بأنها نشأت لتلبية الغرائز مشيرا إلى أنها مؤسسة ثقافية غايتها الأساس تقويم أخلاق الأفراد والنواة الأساسية المكونة من الأب والأم والأطفال. وأوضح الأستاذ حدية، في جانب آخر، قيمة الأسرة عند علال الفاسي والتي ينبغي أن تقوم على المحبة بين مكوناتها، وعلى التضامن في الواجبات، وعلى التساوي في الحقوق والتشارك في القيم بمسؤولية، مشيرا الى أن هذه المبادئ شكلت ديباجة قانون الأسرة الجديد والذي تتساوى فيه حقوق وواجبات الشريكين: المرأة /الزوجة والرجل /الزوج. وخلص الأستاذ مصطفى حدية إلى القول بأن الزعيم علال الفاسي اهتم اهتماما علميا وموضوعيا بالأسرة المغربية في تمايزها واختلاف بنياتها بحسب المناطق سواء في القرية أو المدينة حيث أبرز خصائصها ومشاكلها مقترحا حلولا ناجعة لها في إطار فكر نير متفتح وديمقراطي متشبع بالثقافة الاسلامية والعصرية وما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. ودعا الباحثين إلى الانكباب على فكر علال الفاسي ودراسته دراسة عميقة وموضوعية مع الحرص على ترجمته ونشره بلغات أجنبية بهدف تمكين شرائح كبيرة من الناس للاطلاع عليه في مختلف بقاع المعمور. وتناولت الأستاذة سمية آيت بوعلي في مداخلتها المرأة، الإنسان والمواطنة في فكر علال الفاسي باعتبارها كائنا كرمه الله وكرمته جميع الأديان، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات. وعرضت الأستاذة خاصية المرأة المواطنة كما جاء في شذرات من فكر علال الفاسي باعتبارها تملك من المقومات الفكرية والخلقية مايسمح لها بتقلد أعلى مراتب الهرم السياسي، وهو في ذلك يدافع عن النساء ويعرض لبعض التصورات التي كانت سائدة، حيث يريد تصحيح صورة المرأة في مخيل الناس من خلال إعطائه صورة للمرأة في الاسلام. وأوضحت أن المرأة الإنسان، في تصور علال الفاسي، هي كاملة تامة الإنسانية، وهي عماد خلية الأسرة حيث المؤسسات الأخرى من قبيل المدرسة والمسجد والمستشفى والمعمل والنادي وغيرها تعد مجرد امتداد لها ومدعمة لجهودها. وأكدت في معرض مداخلتها بأن الراحل مافتئ يدعو إلى ضرورة تمتيع النساء بما يتمتع به الرجال من حقرق وما يقومون به من واجبات شريطة أن يتحرر الرجال أنفسهم من روح الجمود العتيق الذي جعلهم يفضلون التقاليد على الدين نفسه حيث اعتبار المرأة مجرد أداة للذة والاستمتاع فقط. وأشارت إلى أن المشروع الحداثي الذي أسس له الزعيم الراحل علال الفاسي منذ أزيد من نصف قرن جعل منطلقه وعماده ومحوره المرأة حيث اعتبر صلاح الأمة من صلاح المرأة. وتناول الأستاذ محمد حميد منيب محام بهيئة مراكش قضايا الأحوال الشخصية مرتكزا على دراسة مقارنة فيما جاء به المشروع الاصلاحي لعلال الفاسي وقانون الأسرة الجديد. وأشار إلى أن المواقف المتقدمة جدا للمفكر علال الفاسي ومنذ الأربعينيات انبثقت من تأطيره السياسي وشخصيته الوطنية وانفتاحه وإلمامه بأصول الشريعة الإسلامية والفهم الدقيق لها فضلا عن موسوعيته. وتوقف عند مفهوم الأسرة لدى الراحل باعتبارها هي الأصل ونظام اجتماعي مصدرها ديني هادفة إلى مقاومة الغرائز لدى الأفراد وتقنينها كما أن مرماها تبادل الحب والود والتضامن في القيام بالواجبات والتضامن والشراكة لخدمة المجتمع. وفيما يتعلق بقضية تعدد الزوجات أوضح الأستاذ منيب بأن الراحل كان يتميز بالنظر الثاقب حيث كان ينادي بمنع التعدد وهو الأمر الذي أصبح الآن مقيدا في المدونة مشيرا إلى أن الراحل كان يؤسس لهذا المنع بأدلة شرعية وفقهية بهدف تفادي وقوع الظلم والجور على اليتامى والمرأة. وخلص الأستاذ منيب إلى أن مدونة الأسرة ليست قانونا فقط للمرأة بل هي مدونة للأب والأم والطفل غايتها رفع الحيف على النساء وصيانة كرامة الرجل وحماية حقوق الأطفال. وأكدت الأستاذة شمس الضحى أبو شعيد محامية بهيئة مراكش في عرضها حول «قانون الأسرة ما بين طموح الرؤية وعوائق التطبيق» بأن مدونة الأسرة شكلت مكسبا بارزا وثورة حقيقية لم تنصف المرأة فحسب بل أنصفت الأسرة بكاملها وخاصة الطفل. وقالت بأنه إذا كانت المدونة قد حققت مكاسب كثيرة منذ خروجها الى الوجود فإن تطبيقها لم يخل من سلبيات وعوائق مشيرة الى أنها عرفت خللا في التطبيق في العديد من المجالات. وأوضحت بأن أبرز العوائق التي تمظهرت لحد الآن، تتمثل في النقص في الموارد البشرية وعلى مستوى المساطر اللوجستيكية، مشيرة أنه لتطبيق المدونة لا بد من قضاء مختص ومتكون في علم الاجتماع فضلا عن تشبعه بالقوانين الدولية لحقوق الانسان وحقوق المرأة والطفل. وقالت أن من بين العوائق الأخرى التي تواجه تطبيق المدونة، نجد عدم احترام الآجال القانونية فيما يتعلق بقضايا النفقة وكذلك الأجل المخصص للبت في قضايا الطلاق وأيضا فيما هو منصوص عليه في المادة 45 والمتعلق بطلب التعدد وأيضا في المادة 53 من المدونة وما يتعلق بإرجاع المطرودة، الى بيت الزوجية. وأكدت أن من بين الاختلالات الجلية ملاحظة ارتفاع نسبة الطلاق وتزايد العنف ضد الزوجة وأيضا فيما يتعلق بثبوت الزوجية، وخلصت الأستاذة شمس الضحى الى القول بأنه على الرغم من المكاسب التي حققتها المدونة فإنها لم ترق الى مستوى الطموحات والتطلعات. وشكلت مختلف الأفكار والآراء الواردة والمطروحة في مختلف عروض الأساتذة المشاركين في الندوة، أرضية خصبة للنقاش الجاد والاستفسارات من طرف الحاضرين أعقبتها أجوبة وتوضيحات مكملة وشافية.