كانت الرمضانات الأولى التي فتحت أعيني عليها تصادف فصل الشتاء. وكانت مساءات ذلك الفصل في السنوات الغابرة مطيرة ولم يكن أفق الغروب الغائم يسمح برؤية الهلال. كان المذياع في البوادي قليل الانتشار، كان في القرية مسقط رأسي خمس أو ست أسر تتوفر على المذياع، لكن غالبية الناس لم يكونوا يفهمون ما يقوله المذياع. كان المذيع عادة ما يقرأ بلاغ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: التي تطلب من قضاة ونظار المملكة مراقبة الهلال، ويكون الفقيه يسهر إلى وقت متأخر من الليل يستمع إلى المذياع حتى آخر نشرة إخبارية وهي نشرة الواحدة بعد منتصف الليل، وهي الساعة التي ربما يكون فيها كل نظار وقضاة المملكة قد أكملوا اتصالهم بالوزارة من أجل تأكيد أو نفي رؤية الهلال. وإذا تأكد الفقيه من ذلك الخبر كان يلجأ إلى حاوية زيت كبيرة فارغة تكون مغلقة في غارب المسيد ويقرعها بعصا ضربا مبرحا ولمدة خمس أو عشر دقائق. ويعرف أهل القرية أن موعد الصيام في الغد. كان قرع ذلك الإناء أهم وسيلة لإعلام ا لناس بالصيام أو بانقضاء شهره . تهرول النساء في آخر الليل لتهييء ما يجدن بين أيديهن للسحور وغالبا ما كان فطائر تدهن بالسمن أو الزيت مع الحليب أو القهوة بالحليب أو الشاي. يستيقظ الناس بعد نوم لم يكونوا يعرفون قبله إن كانوا سيصومون أم لا والنعاس في أعينهم مجبرين أنفسهم على تناول تلك الوجبة في غسق الليل ثم يعودون إلى فراشهم وهم يتعثرون من غلبة النعاس، لاستقبال أول يوم من أيام الصيام الذي سيقلب عادات الأكل والنوم.