في إطار توسيع النقاش حول موضوع الجهوية نظم الاتحاد العام للشغالين بالمغرب الجمعة الماضية بالمركز العام لحزب الاستقلال ندوة حول موضوع الجهوية الموسعة، حضرها أعضاء المكتب التنفيذي وأطر الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. وفي البداية تناولت الكلمة الأخت خديجة الزومي عضوة المكتب التنفيذي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب الكاتبة الوطنية للجهة الشمالية بالاتحاد، فأكدت بهذا الخصوص أن الجهوية تلقى جذورها في أدبيات حزب الاستقلال من خلال التراث الذي خلفه زعيمه علال الفاسي الذي كان أول من دعا إلى هذه الجهوية مقترحا ثلاث جهات، كما أن هذه الجهوية تشكل فلسفة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب منذ تأسيسه كما أنه اعتمدها وشرع فيها في تنظميه الهيكلي. وأضافت خديجة الزومي ان الجهوية الموسعة التي دعا إليها جلالة الملك ستكون لامحالة جهوية ناجحة، ولعل النقاش الدائر حولها في إطار تشاركي بين الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية خير دليل على الرغبة في إنضاج تصورها قبل البدء في تطبيقها، ومن شأن هذا الحوار الجاري حولها أن يخرج جهوية ملائمة ومنبثقة من الواقع المغربي حتى تلقى النجاح وتتجنب الهفوات والتطبيق الصوري حيث أن غياب التنظيم المحكم وغياب الموارد لايعطيها فرص النجاح. ولم يمكنها من حل المشاكل التنموية والاستجابة لتطلعات المغاربة. بعد ذلك أعطيت الكلمة للأستاذ عبد اللطيف أدمينو الذي أعطى في البداية لمحة تاريخية عن مسلسل الجهوية في المغرب الذي يمكن القول إنه بدأ سنة 1959 باعتماد التقسيم الاداري لمجالس الجماعات والأقاليم، واعتبر الأستاذ أدميتو سنة 1970 بداية للجهوية من خلال إحداث المجالس الاستشارية الجهوية. أما الوعي الرسمي للجهوية فقد بدأ منذ خطاب المغفور له الحسن الثاني سنة 1984 عندما أحال على النموذج الفيدرالي الالماني وذلك بغية حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ثم جاء دستور 1992 ليؤرخ لمرحلة جديدة في هذا الاتجاه، ثم انتظرنا - يقول الاستاذ أدمينو - 1997 ليخرج القانون المنظم للجهة. وأضاف الأستاذ أن هذه الجهوية جاءت كاستجابة لحاجيات البلاد في التنمية والمشاكل المرتبطة بها من تعليم وصحة وخدمات، غير أن تطبيق هذه الجهوية ظل قاصرا، فإذا كانت الجهوية تعني استقلال الجهة في عدد من المسائل لتجسيد سياسة القرب التي تعتبر الدعامة الأساسية في التنمية فإن الجهوية التي طبقت ظلت بدون مقومات مادية وبشرية نظرا لضعف الموارد وظلت أيضا بدون مقومات تنظيمية لأن القرارات الحاسمة ظلت في يد ممثل الدولة المركزية المتجسد في شخص الولاة. ثم من جانب التقسيم الاداري والترابي انه لم يستجب للطبيعة التكاملية للجهة التي ارادتها الدولة بين الوحدات الجهوية والجهاز المركزي. وأشار الأستاذ عبد اللطيف أدمينو أن الحاجيات الثقافية واقتراح الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة الوطنية في الأقاليم الجنوبية للمملكة تجعل من الجهوية الموسعة المطروحة حاليا للاستشارة، أداة للإجابة عن مجموعة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية كما أنه لايمكن تطبيقها في الأقاليم الجنوبية دون بقية أقاليم البلاد، حيث أن التصورات الآن تذهب مابين 7 إلى 10 جهات في المغرب. ولاحظ الاستاذ أدمينو أن مشكل الجهوية يكمن أساسا في الحكامة. فالاعتمادات المخصصة لهذه الجهوية لحد الآن تكون مهمة إلا أن نتائجها ظلت هزيلة نظرا لغياب هذه الحكامة الجيدة، كما أن الجهوية يمكن أن تكون حلا لمشاكل الهوية والخصوصية الثقافية أيضا ورافعة من روافع الديمقراطية الحقيقية في أبعادها انطلاقا من انتخابات عامة مباشرة تعطيها قوتها عوض الجهوية الحالية المنبثقة من الجماعات المحلية. وهذه الجهوية تتطلب التقليل من الضغط على المركز وتقوية الجهة لكن دون أن تمس بالثوابت الوطنية المركزية المحددة في الدستور. وختم الاستاذ عبد اللطيف أدمينو مداخلته بالقول إنه لابد من الانخراط في الجهوية من أجل التنمية ولكن قبل ذلك لابد من توحيد لغتنا حولها من خلال النقاش. وقد تركزت مختلف التدخلات حول دعائم الجهوية المزمع تطبيقها واستلهام نماذج الدول التي سبقتنا وصعوبات ذلك، وكذلك نقائص الجهوية المعتمدة حاليا وكذلك الدعامات المادية الادارية والبشرية والسياسية لهذه الجهوية. وفي رده على مجمل هذه التساؤلات أكد الأستاذ عبد اللطيف ادمينو أن النماذج المقترحة اصبحت تراثا عالميا والمغاربة ليسوا أقل من باقي الشعوب فهم يملكون كل المقومات لتحقيق طموحاتهم السياسية والحضارية. وأضاف أن هذه الجهوية يجب أن لاتطرح أية مخاوف فالثوابت والمرجعيات المركزية موجودة وما يجب هو استثمار تجربتنا المغربية وتطويرها لتحقيق التنمية والديمقراطية المنشودة التي هي آلية ومبتغى، ذلك ان الجهوية لم تعد حاجة وطنية واستجابة لحاجيات دولية، فالكثير من الجهات تريد التعاون مع جهات المغرب لكنها تصطدم بعدم تلاؤم القوانين الجهوية المغربية مع جهوية تلك البلدان مثل اسبانيا حيث يكون ممثلو تلك الجهات مجبرين على التعامل مع الدولة المركزية، وألح في الأخير على ضرورة الاسراع بهذا التلاؤم القانوني لاختصاصات الجهات في ظل الدولة المركزية.