من يجيد رؤية الشمس من ثقوب الغربال، لا مراء سيدرك أن سماء الحقيقة في عالم النشر والتأليف بالمغرب، أوسع من دائرة هذا الغربال المثلومة، وأخص بالإلماح هنا، البحيرات العرفانية المُصَوَّحَة بظمإ القارئ، الباحث، والطالب، والعاشق أيضا، إلى مجلات مغربية مُحْكَمَة وتنفرع شجراتها في كل التخصصات الأدبية والألسنية والقانونية والاقتصادية والسياسية؛ لكن لا يمكن نكران أن هذه السماء تَسْتَقْطرُ من خَلَل هذا الغربال، بعض تجليات ضوء الأمل، حين يؤثث رفوف مكتباتنا المتصوفة كالعناكب، رَشْحٌ يسير من المجلات التي نعرف جميعا أنها قُدَّتْ من سغب، ولا تتنزَّل الى الأسواق إلا مسبوقة بنفير الشكوى؛ عذرا؛ إن استهللت العسل بالمُر، ولكن هذا الشعور الخلاسي، هو فقط ما استثار غبطتي بالعدد الرابع والثلاثين من مجلة «الثقافية المغربية» الذي أفشى قوس قزحها عن المُزْنَة الثرية للملف المخصص للإعلامي والأديب «عبد الجبار السحيمي»؛ سأكون أخف من ريشة على دواة، دون أن أغفل عن سرقة بعض حبر الكَلِم من شفتها الدائرية ملء الكون؛ هنا وبِسِعة غلافي مجلة «الثقافة المغربية»، أتوق عميقاً إلى عناق الأستاذ الناقد «عبد الحميد عقار» الذي لم يَأْلُ أَلمَعِيَّةً للرفول بعبد الجبار السحيمي (شافاه الله) في أبهى الحلل من حيث جمالية العدد (34) من «الثقافة المغربية» إخر اجاً، ومن وجهة عمق استحضار الذاكرة الثاوية بجمارها في رماد الزمن، بالأسماء التي انتخبها «عبد الحميد عقار» لتنخرط بقلم التأريخ لرجل انغمس في رمزيته القصوى، حتى حوّل الصمت إلى جُلْجُل صاعق بالحياة والكتابة والمعرفة؛ بل إن عبد الجبار السحيمي، أمد الله في عمره، اقتضب هذه الحياة في التماعة فكرة - يقول هو ذاته - إنها تأتي بعد السكرة؛ لذا يمكن أن نخلع على عبد الجبار، التوصيف الذي سطر حكمته الفيلسوف الألماني «نيتشه» حين قال: «اقتضابٌ خاطفٌ، هدوءٌ ونضوجٌ، أينما وجدت هذه الصفات ولدى أي مؤلف، توقَّفْ، أَقِمْ عيداً طويلا وسط الصحراء، فحبور مماثل لن يقع لك لفترة طويلة...»، يبدو أني لم أعد أكتفي من الدواة بحبر شفتها الدائرية، وسحبتني إلى الأعماق السحيقة والأمَّارة بوسواس الحب الثر؛ لأني مهما استفضت في تحليب ثدي البوح، لن أؤول إلا إلى فطام إزاء ما سطره الأصدقاء الخُلَّص للأستاذ «عبد الجبار السحيمي»، في هذا العدد من مجلة «الثقافة المغربية»، فقط أجزم أن دلاء ثقافة الإعتراف في المغرب، يجب أن تَلأَمَ ثقوبها من النسيان، لتستخلص بعضاً من ذهب الكثير من السّيَر والحيوات المكتنفة لمكابدات المعرفة وجور الزمان أيضا، تعبرنا ونحن جلوس من بابها على العتبة، دون أن يتناولها قلم بأبخس كلام!، لنقل إن الذاكرة أضعف ما لم نضمدها ببعض ورق من «الثقافة المغربية»؛ وشكرا «عبد الحميد عقار» على هذا السربال الذي لا يبلى...