قال الخبير اللغوي البريطاني "ديفد كريستال" إن ظاهرة انتشار المدونات وغرف الدردشة بشكل واسع على شبكة الانترنت من شأنها تهميش الكلمات والمصطلحات اللغوية التي تم اعتمادها وتداولها منذ قرون. وذهب البروفيسور في جامعة "ويلز" إلى توقع موت وفناء العديد من الكلمات والمصطلحات اللغوية الأصليّة والأصيلة في اللغة الأنجليزية لصالح كلمات ومصطلحات جديدة معتمدة أساسا على المختصرات اللغوية التي يدوّنها الكتّاب على الشبكة المعلوماتية خاصة في المدونات وغرف الدردشة على غرار كتابتهم ل"teh" عوضا عن "the" أو "2moro" بدلا عن "tomorrow" أو "thy" لتحل محل "thank you". وهذه الدراسة وإن أثبتت رداءتها في اللغة الأنجليزية رغم توفّر الحروف اللاتينية على لوحة المفاتيح فإن الأمر يزداد سوءا وتعقيدا في لغتنا العربية ولهجاتنا المحلية لعدة اعتبارات أولها خواء لوحة المفاتيح من الحرف العربي أو لعدم جاهزية الحاسوب لكتابته وتداوله في غرف الدردشة بين المتحدثين إلاّ بإضافة برمجيات خاصة، لمن استطاع إليها سبيلا، لتنشأ بين النشء الرقمي -وكم معبّرة هذه الكلمة- لغة جديدة وحروف جديدة هي أقرب إلى الأرقام منها إلى الحروف كأن نكتب الرقم 3 كدلالة على حرف "العين" والرقم 7 كدلالة على حرف "الحاء" والرقم 9 كرسم لحرف "القاف" والرقم 5 كدلالة على حرف "الخاء" وغير ذلك من الأرقام والعلامات المصاحبة للكلمات والتي تعبّر دون نطق، بل برسم أبكم عن حالة الانفعال لدى المتحدثين! فمع كل اجتماع غريب للحرف والرقم كتعبيرة عن كلمات، ليست كالكلمات، يحادثك الآخر من خلال وجه أصفر يسمى "الميسنجر" ليقرئك انفعاله الحيني تجاه ما تقول فتارة يبتسم وطورا يشمئز وحينا آخر يرسل لك القبلات وأخرى يبثّك اللعنات وبين هذا وذاك يحتار العقل في طلاسم هذه الرسومات! فمعضلة هذه المصطلحات والكلمات الوليدة على الأنترنت أن كُتابها بات بإمكانهم اختيار وكتابة الكلمات والمفردات التي يريدونها بالطريقة التي يرونها غير مراعين تهجئتها أو تركيبها، لأنها لا تخضع للتدقيق اللغوي فبل نشرها إلى العالم عدا الإتفاق الضمني على الحرف والرسم بينهم. الأمر الذي سيجعل من النشء في حالة غربة واغتراب مع مصطلحاته ولغته، بل وحتى انفعالاته التي باتت اليوم رسما بالوجه المصفّر لا أكثر. والخوف كل الخوف إن استفحل الأمر أكثر -وهو ما يحصل حاليا ولاحقا- أن يصاب النشء بالكسل اللغوي والاختزال اللفظي والجفاء الإنفعالي إلى الحد الذي يصبح فيه حوارنا بالمقهى والمدرسة والطريق على شاكلة اشارات المرور والإعلانات الإشهارية المنتشرة هنا وهناك.. فتُقرئ أحدهم السلام وتسأله عن حاله وأحواله وبقيّة "عياله" فيُخرج لك من جيبه رقما أو رسما أو علامة مرورية تقول لك دون كلام ولا سلام "قف" أو "دعه يمُر"!.