منظمة الصحة العالمية تعلن الإنذار ودول شرعت في فرض الحجر الصحي المؤقت وأخرى تحضر له وخبراء مغاربة يقللون من خطورة الفيروس في بلادنا ويدعون إلى اليقظة تطورات كثيرة ومتعددة ومتشابكة يعرفها انتشار فيروس القردة في كثير من مناطق العالم. فقد سارعت منظمة الصحة العالمية إلى إعلان حالة الطوارئ بعد تفشي انتشار الفيروس في دول كثيرة وظهور متحور جديد من الفيروس يتميز بالانتشار السريع وبالخطورة الكبيرة، حيث تشير المعطيات إلى انتشاره في 14 دولة ووصل مستويات مقلقة فيها. وفي هذا الصدد أعلنت الحكومة البلجيكية عن فرض الحجر الصحي لمدة خمسة عشر يوما للمصابين بالفيروس، بيد أن الحكومة الفرنسية عقدت اجتماعا للجنة خاصة للتحضير لما وصفه الوزير الأول الفرنسي المعين حديثا بالمرحلة الصعبة التي تنتظر الشعب الفرنسي، وأعلن عن اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي للانتشار المتواصل للوباء، وأن الرئيس الفرنسي أكد أن الأمر لن يصل إلى مستوى ما عرفته فرنسا إبان انتشار وباء كورونا. المثير للانتباه فيما يحصل، أن مصادر علمية أكدت أن فيروس جدري القردة معروف، وخرج إلى الوجود قبل أكثر من سنتين، وأن شركات عالمية تمكنت خلال هذه المدة من إنتاج لقاحات فعالة ضده قادرة على التصدي له. واستبعدت هذه المصادر، فرض تدابير وإجراءات مماثلة لما تم اتخاذه في مواجهة فيروس كورونا، وأن المؤشرات تشير إلى الاكتفاء بتنظيم حملات تلقيح، يكون فيها التلقيح اختياريا، كما قد يتم تجريب حجر صحي مؤقت للحد من انتشاره. ولا يخفي العديد من المتتبعين قلقهم من استغلال الشركات العالمية التي أنتجت لقاحات مضادة لهذا الفيروس الفرصة لتسويق لقاحاتها. وعلى المستوى الوطني تبدو الأمور مطمئنة إلى حد ما، حيث لم تعرف بلادنا تطورات خطيرة فيما يتعلق بانتشار الفيروس. وفي هذا الصدد قال مولاي المصطفى الناجي، مدير مختبر الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إن جدري القردة، فيروس يختلف كثيرا عن كوفيد-19 لأن الأخير ينتقل عبر الهواء، لكن جدري القردة يتم من خلال الاحتكاك والعلاقات الجنسية، مضيفا في تصريح ل"العلم" أن هذا المرض منتشر بشكل مخيف في إفريقيا وخاصة بالكونغو، التي تسلمت أخيرا آلاف من جرعات اللقاح لمواجهة هذا المرض. وشدد المتحدث، على عدم تهويل الأمر، لأن المغرب لم تسجل فيه لحد الساعة ولو حالة إصابة بهذا المرض، مشيرا إلى أن وزارة الصحة تتابع الوضع عن كثب وبشكل استباقي، وذلك لتجنب دخول جدري القردة إلى بلادنا. وأوضح مولاي المصطفى الناجي، أنه يلزمنا فقط القيام ببعض الإجراءات الاحترازية من خلال حماية الحدود ومراقبة كل وافد على بلادنا، وأي شخص تأكدت إصابته بهذا المرض يجب وضعه في الحجر الصحي لمدة لا تقل عن أربعة أسابيع، إضافة إلى تجنب التجمعات التي يقع فيها الاحتكاك مما يتسبب في نقل العدوى من شخص مصاب إلى آخر. وطالب مدير مختبر الفيروسات بالدار البيضاء، المغاربة خصوصا الذين ظهرت عليهم أعراض مرض جدري القردة، التوجه فورا إلى أقرب مستشفى من أجل الخضوع للفحوص الطبية اللازمة، وفي حالة الإصابة يجب القيام بالحجر الصحي تفاديا لنقل العدوى، لافتا إلى أن العديد من المواطنين متخوفون من اللقاح وهذا أمر خاطئ، لأن لقاح كورونا رغم تأثيراته الجانبية النادرة فقد أنقذ آلاف المصابين بالفيروس. وأردف قائلا: "إن التطعيم بلقاح جدري القردة أمر جيد، ويمكن أن يحمي المغاربة في حالة الإصابة بهذا المرض". وأكد، أن جدري القردة ليس بمرض جديد، بل ظهر لأول مرة في 1800 وتم القضاء عليه كليا، ثم عاود الظهور في 1950 و1970 ثم في سنة 2022. من جهته، قال الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، إنه ليس هناك ما يدعو للقلق بالنسبة للمغرب والعديد من الدول الأخرى، لكن الأمر يتطلب القيام بإجراءات احترازية من مراقبة ويقظة وتحسيس، مضيفا في تصريح ل"العلم" أن الدول الكبرى التي لها الإمكانيات عليها تزويد الدول الإفريقية التي استفحل فيها جدري القردة باللقاح لمواجهة هذا المرض والحد منه. وتابع أن معظم خبراء العالم يقولون إنه من الممكن تجنب انتشار هذا الفيروس عالميا إذا تم اتخاذ الإجراءات الملائمة مع توفر الإمكانيات المالية (130 مليون دولار)، أي توفير 2 مليون جرعة من اللقاح حاليا و10 مليون في غضون 2025، ونفس العدد في ما بعد. وأكد الدكتور الطيب حمضي، أن بلجيكا لم تعلن الحجر الصحي، أما فرنسا فقد اتخذت بعض الإجراءات على غرار العديد من الدول بما فيها المغرب، الذي يبقى معرضا لدخول الفيروس بحكم رحلات الطيران والمبادلات المستمرة مع الدول الإفريقية، مشددا على أن الفيروس يمكنه الوصول إلى هنا كونه ينتشر بسرعة، وبطرق سهلة مختلفة عن التي عرفها العالم في عام 2022 وقبله، لأن هناك سلالة جديدة من جدري القردة تنتقل عبر العلاقات الجنسية والاحتكاك بين الأطفال داخل الأسر بسهولة ولها خطورة إماتة أكثر من السلالة التي كانت سنة 2022. وقال "نحن اليوم أمام فيروس نعرفه منذ عدة قرون واللقاح موجود رغم غلائه، حيث يبلغ ثمنه 200 دولار، ويمكن للدول الكبرى توفيره ومساعدة الدول الفقيرة، بل إن نقل التكنولوجيا إلى إفريقيا بإمكانه تخفيض السعر ليصبح أقل من 6 دولارات".