حسن فعلت أنك مت يا إسماعيل هنية، فقد أرهقتنا أنت وشعبك، بشجاعتكم بإصراركم ببأسكم بصبركم بحبكم لوطنكم حبا تعجز القواميس عن شرحه، اغتيل أولادك وأحفادك وشقيقاتك وأهلك وذويك، وتحالف عليكم الإخوة، واستباحكم كل العالم بمقاتلاته ودباباته، وكل ذلك وأنت وعشيرتك صامدون مثل هرم فرعوني. من أي منبع شربتم هذه البطولة والحماس والمروءة؟ وفي أي كُتاب حفظتم كل هذه الاستطاعة والجبروت والصلابة؟ وفي أي نفق درستم سبل الإطاقة والجلد والاصطبار؟ ومن أي ثدي رضعتم ذلك السمو والشرف والسيادة؟ إن أكبر خطأ يقترفه عدوكم معكم هو أنه يقتلكم، فأنتم قوم تحيون بالموت، تدخلون الجنة صفا صفا برصاص الغدر لتحيون فيها خالدين أبدا بجوار ربكم أحياء ترزقون، وتتركون خلفكم عدوكم في شباك اللعنة مترنحا... فلسطين يا قطعة من الجغرافية أحرجت التاريخ وأسقطت الأقنعة على الإنسانية التي تحتفل بالحضارة وحقوق الإنسان أعيادا، فلسطين يا كاشفة ما وراء التعرية على أنياب النفاق، يا فاضحة وهن العرب والمسلمين، يا مزيلة لكل لبس على حقيقتنا نحن كلنا بلا استثناء، نحن المذعورون المتخاذلون نحن الجبناء، نحن المرتدون المترددون نحن الأغبياء، نحن التافهون الوضيعون نحن البلهاء...ما عاد سؤال كيف قتلوك مجديا، ولا صار من توافق مع من ناجعا، لا يهم إن كنت عربونا قدمه من وثقت فيهم على طاولة المفاوضات، أو هدية أهداها المتآمرون لإرواء عطش الصهاينة الوحوش، ولا جرحا غائرا يذكرنا بأن الغدر بات صنفا جديدا من أصناف دمائنا. ما يهم اليوم أنك حققت اشتهاءك باستشهادك، ونحن ارتحنا من رعد جأشك وذوي جسارتك، وسنعود بعد اغتيالك لنتلصص على التافهين الرديئين المنحطين الحقيرين، ونحن منهم، فلرب موت بشكيمة خير من خلود بعجز وهلع وخضوع، فكلنا ميتون يا "أبو العبد" الاختلاف فقط في طرق الموت، وفي سِيَرنا بعد الموت، وفي طعم موتنا، هل نموت شرفاء أم جبناء؟ هل نموت خائنين أم مخلصين؟... اهنأ بشهادتك يا إسماعيل الذبيح، فقد تعلمنا منك أن حب الأرض والوطن لا يضاهيهما سوى حب الله، فحب الله هو الزاد الذي يمدنا بالعون لحب الوطن، تعلمنا منك ومن عشيرتك أن حياتنا لا تساوي جناح بعوضة أمام استغاثة الوطن، اهنأ بشهادتك أيها الباسل، فإن كان من حسد أو غبطة فهي في موتك الذي زلزل قلوب قاتليك وهذا وحده يكفيك.