افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 25 أبريل 2024 في مثل يوم أمس 24 أبريل وُلد عبد الجبار السّحيمي، فهو هناك بالتّوقيت الزمني لكوكبنا الأرضي يبلغ من العمر اثْنَتيْ عشرة سنة، أوَ ليس يوم نموت نُوهب حياة جديدة، ويا لها من حياة في الأبد تسْتعصي حتى على خيال القصيدة! قد نسْتعيد بفرْكة من الذّاكرة، بعض التفاصيل التي عِشناها ولو لم تعِشْنا في زمن ولّى، ولكنّنا لا نستطيع أن نسْترجع ذات الزمن، والحقيقة التي تُدْركها كل العناكب، مع الوتيرة التكنولوجية المُتسارعة والمُتدافعة المناكب، أننا أصبحنا ضائعين نعيش حالة المحْو أو المَحْقِ الذي يجعلنا في غمرة ما ينْسُلُ من أحْداث، لا نتذكّر حتّى أنفسنا، يا للْهول.. لقد غدوْنا مُجرّد لحظات هاربة وفقدْنا المفهوم الإمتدادي لفصول العُمْر! خالجتْني هذه الوساوس، ولا أقول خواطر حتى لا أُتّهم بجريرة الحنين، وأنا أعيد تَصفُّح كتاب الأعمدة " بخط اليد" لذلك الطّيف العائِش بيْننا بقوة الرّوح والحرف، الأستاذ عبد الجبار السحيمي، هل حقّاً انصرمت على رحيله اثْنَتا عشرة سنة، أم أنّنا نحن الذين أحْرقنا مسافة طويلة بذات الوجهة ما دُمنا نمشي على نفْس الدرب، درب الكلمة الحُرة.. تلك التي أوْرَثَنا هذا الرجل القويُّ الشّكيمة، أنفاسها غير المُسْتسلِمة لكل الإغراءات الزائفة، وما أكثر اليوم من يبيعُها والقلم يرْتعِش في يديه بِجرّة! قد نُسْهِبُ في تفكيرنا المُتفلْسِف دون لازم، لأقصى العبثية مُراوغين الألم، ونَزْعُمُ أننا نعيش اللحظة التي ندعوها لتكرار نفْسِها إلى الأبد، لكن في غمرة هذه الأنانية العمياء، ننْسى أنفسنا ومعها أرشيف الذاكرة ! تُرى هل يُمكن أنْ ننْسى ذاكرتنا؟ قد تبدو هذه المُفارقة من العِيار الذي يضْرب الأضداد ببعضها أو بأثدائها، عسى تُشِعُّ من حجر اليومي الذي يدحرجنا في منحدرات العمر، قصيدة نَزِنُ على ضوئها الوجودي، مَعْدننا الإنساني، فهل يمكن أن ننسى حتى أسماءنا..؟ إنّما أعني الأسماء الثقافية المغربية التي من دونها يَخْرَس كل نداء رمزي نرفع عقيرته، ولو بدلاء الحبر لاستدعاء الذاكرة، عبد الجبار السحيمي رحمه الله، أحد هذه الأسماء الثقافية الراسخة في ذاكرة الإعلام والأدب المغربي، رحل يوم 24 أبريل من عام 2012، ولكن أعظم ما يصُوغه المُبْدع الأصيل قبل أن يسرقه الموت جسداً، هي تلكم الرُّوح الأخرى التي تُضاعف بكثافاتها الرمزية، حياته بين الناس مدى الأزل، إنها كتابات عبد الجبار السحيمي التي مازالت سارية الأسطر والمعنى في عروق جريدة «العلم»، ويكفي إذا أعدنا بعْثَها من غبار، أن نكتشف حجم الحلم الحضاري الذي كان يكتنفه عبد الجبار في الفؤاد لهذا الوطن.. حلم رغم أنه مازال في طور الحكاية الواقعية المَطْوِيَّة في ورق سحري، إلا أنّه يكاد ينطق بروح عبد الجبار السحيمي، بكل ما أوتي من صراخ ممكن، عسى نستفيق على مجتمع أجمل لا يقيم في الفاركونيت ! يكفي أن نقتفي خطّاً شَرْيانيّاً من يد عبد الجبار السحيمي، لنتعلّم فن العيش ولو في المستحيل، ولا أعجب اليوم إلا مِمّن يبكي بعُيون السّمك التي يغْمُرها الماء، لا أعْجب إلا مِمّن يكذب حتى وهو يكتب في موضع مصيري يستدعي الصِّدق، هؤلاء أيْنهم من معادن كالتي انصهرت بالنار والحديد، أينهم من أقلامٍ بالقامة المديدة والضرْبة السّديدة لعبد الجبار السحيمي، كان يقول الكلمة التي يعْلم أنّ تبِعاتها لنْ تجُرَّ إلا الطُّوفان، ولكن هيهات الخشْية من تعْرية الأفكار في وضَح النهار، إنّما عليَّ وعلى أعْدائي وبَعْدي سِوى الخرفان!