أيها الحضور الكريم، تحية إكبار ووفاء واعتراف واعتزاز، شكراً لمن نظموا هذه التظاهرة النبيلة التي تعكس قيم الاعتراف لأحد صناع بيت جريدة «العلم» الغراء، وأحد رافعي صرح مؤسسة الرسالة الشامخة، أخونا وفقيدنا الغالي الأستاذ المرحوم عبد الجبار السحيمي الذي كان يهرب من كل الألقاب والمراتب، ويفضل أن يظل اسمه وجوهره ومعدنه هو نفسه، مفضلا أن ينطق اسمه هكذا: عبد الجبار السحيمي، لا مسبوقاً ولا متبوعاً بأي نعت. تغمرني الآن مشاعر المحبة والتأثر وروح الفقيد الطاهرة ترفرف في أجواء هذه التظاهرة التكريمية، إذ نستحضر ما تقاسمناه مع الفقيد العزيز من أعمال مشتركة من أجل مجد الصحافة المناضلة والمواطنة والملتزمة في سبيل النهوض بالمشهد الإعلامي والثقافي ببلادنا. إن قيمة عبد الجبار الأخلاقية تكاد تضاهي قيمته الفكرية والمهنية. فبالرغم من المكانة التي نحتها بقلبه الفياض بالمحبة وبقلمه العذب السيال، وحسه الصحفي العميق، ورؤيته السياسية الثاقبة في أشد اللحظات الحرجة، ظل يمتلك قدرة هائلة على البقاء في مربع التواضع الإنساني، زاهدا في المناصب والمراتب وكل مظاهر السلطة والجاه، ومسالك التسلق الاجتماعي. خيمة واحدة كانت تستهويه على الدوام، وتملك عليه نفسه، اسمها جريدة «العلم»، حيث كان أسعد الناس بحلول ذكرى كل حادي عشر من شهر سبتمبر كل عام، ليخصها بعدد متميز أو ملحق شيق إكراما لذكرى تأسيسها. سيطول بي الحديث، لو أني رمت استعراض ذكرياتي الطيبة مع المرحوم عبد الجبار السحيمي، الذي اعتبره رمز الصحافة الحرة الشريفة بامتياز، ولن أستطيع أن أحيط بكل التفاصيل الرائعة التي ستظل راسخة في ذاكرتي، منذ عرفته قبل أربعة عقود خلت. لكن سمة أساسية من سماته وخصاله العديدة، ستبقى عالقة بذهني، وهي صورته التي لا تتغير بتغير الحالات، فعبد الجبار السحيمي الصحفي، هو نفسه عبد الجبار المدير أو المناضل، أوعبد الجبار الزميل أوالصديق. فهو صادق إذا أيدك، وعفيف إذا حدث أن خالفك الرأي. تعلمون قصة بناء أول مؤسسة وطنية للتوزيع في المغرب، وهي قصة تعكس صلابة الإرادة الوطنية لرفع التحدي، وإنهاء الاحتكار وفتح أفق جديد لانتشار الصحافة المناضلة في مغرب السبعينيات، في ظل احتقان سياسي خيم على البلاد لفترات طويلة. لكن العزيمة الثابتة انتصرت في النهاية، ونجحت الأحزاب الوطنية الديمقراطية في إنشاء أول مؤسسة وطنية لتوزيع صحفها، حيث كان لي شرف المساهمة، رفقة أساتذتي عبد الكريم غلاب وعبد الحفيظ القادري ومحمد اليازغي والمرحوم علي يعتة، في ميلاد ذلك المشروع. لقد كان المرحوم عبد الجبار السحيمي دائما ينحاز إلى الرأي الصائب معتبراً أن سبريس ما هي إلا امتداد طبيعي للعلم ولكل الصحف الوطنية الملتزمة بقضايا الوطن والمواطنين. كذلك كان، وكذلك عاش، وكذلك سيبقى خالدا في ذاكرة المغرب الذي أحبه وأخلص إليه، أيما إخلاص. رحمة الله رحمة واسعة، وبوأه أحسن مقام في الدار الآخرة، إنه سميع مجيب الدعاء. شكرا لكم والسلام.