لا يُحيلُ عنوانُ مقالتِنا إلى المرأة الحديديّةِ التي حكمت بريطانيا وفعلتْ ما فعلتْ في السياسةِ العالميّةِ، ولا يعني البتّةَ أنّ أجسادَ نسائنا مليئةٌ بالحديدِ وهو ما يجعلهنَّ بارداتِ العواطف في الصباحِ "قبل التَّحْميةِ التي تَتمُّ تلقائيًّا بفعلِ غَزَلِ الرِّجالِ"، لا ولا حتّى يُحيلُ إحالةً ضعيفةً إلى كونِ الأنثى آلةَ إنتاجِ المعنى الإنسانيِّ. كلّ ما في الأمرِ أنّنا تساءلنا لِمَ يتمُّ الحديثُ عن الرَّجُلِ الآليّ الذي تُصنِّعُه التكنولوجيا ولا يتمّ الحديثُ عن امرأةٍ آليّةٍ؟ *** لئن كانت صفة "الآليّ" تُنْبئُ بأنّنا أمامَ كائنٍ أَسْلاكيٍّ تجري في مفاصله الكهرباءُ وتقودُه آلةُ تَحَكُّمٍ عن بُعْدٍ تُملي عليه إنجازَ بعضِ الأعمالِ بدقّةٍ وبسرعةٍ يعجِزُ الإنسانُ العاديُّ عن إتيانِها، ولئن كانَ الرّجل الآليّ رجلاً يشبه بعضَ الرجالِ الواقعيّين الذين لا يُنْجزون أيّ عملٍ إلاّ بمهمازٍ، فتراهم يُصفِّقون متى يُرادُ لهم أن يُصفِّقوا ويطبِّلون دون رغبةٍ شخصيّةٍ منهم، فإنّ الغالبَ على أمرِ الرجل الآليّ هو أنّه كائن موجود تقنيًّا وغائبٌ فعليًّا داخلَ عالَمِ الافتراضِ، ونعني بذلك عالَمَ البرمجيّات والقوّةِ الليّنةِ. وهو أمرٌ يجعلنا نرى في المرأةِ كائنًا جديرًا بهذا العالمِ النّاعمِ من حيثُ عواطِفُها وَوُعودُها وحتى كثرةُ أحلامِها. فالمرأةُ لا تتّصفُ بالرَّصانةِ التي عليها الرِّجالُ "وهي سبب اندثار رجولتِهم" بل هي مندفعةٌ دومًا صوبَ أهدافِها بنعومةٍ بالغةٍ بليغةٍ تقودُها في ذلك شهواتُها وما تنهضُ عليه من حُبِّ امتلاكِ قوّة الفعلِ في الكونِ لا يتوفّرُ عليها الذَّكرُ، وكذلك رِغبتها في أنْ تتجاوزَ حدودَ الكائنِ البشريِّ فيها من خلالِ دقّةِ حركتِها التي تمكِّنُها أحيانًا من الخروجِ من البيت والعودةِ إليه "لن نتحدّث عمّا يقع ما بعدَ عتبةِ البيتِ" في غمضةِ عينِ زوجِها دون أن تثيرَ فيه أدنى تساؤلٍ أو شكٍّ. *** ولو قُدِّرَ للشركات الصناعيّةِ إنتاجُ "امرأة آلية" فإنّ الغالبَ على الظنِّ أنَّنا سنحيا حياتَنا الدّنيا بالقسطاسِ، باعتبارِ قدرةِ المرأةِ على الحِسابِ الذّهنيّ والعاطفيّ. من ذلك مثلاً أنّ الواحد منّا يشتري من زوجتِه الآلية مثلاً 250 غراما من الحُبِّ للقضاءِ على أوجاعِ بردِ مفاصِلِه في ليالي الشتاء، أو يبيعُها رطلاً من الصّمتِ حتى تهدأَ فيه أفكارُه ويستطيع الكتابة دون تناقُضٍ دَلاليٍّ، وأحيانًا قد يستلِفُ منها 750 غَرامًا من الكلام الفارغِ ليتواصلَ به في الشارعِ مع أصحابِ الكلامِ الفارغِ. وستكونُ حياتُنا بذلك مثلَ حُلْمٍ زائفٍ نرى فيه كلَّ شيءٍ ونأكلُ فيه ما نشتهي بالتخييلِ ودون أن يتحرَّكَ عُضوٌ واحدٌ من أجسادِنا لأنّ نساءَنا سيضربنَ حولَنا طوقًا من الأمنِ التقنيِّ ما قد يُعوِّدُ أجسادَنا الكسلَ ومن ثمّة ستتعفَّنُ خلايانا الحيّةُ وتُضرِبُ عن مواصلةِ الحياةِ عملاً بنظريّة فرويد في الإهمالِ والاستعمال.