الأجواء هذه الأيام لا تختلف كثيرا عن تلك التي عاشها المواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة قبل سنة قبيل العدوان الإسرائيلي، فهناك الكثير من إرهاصات حرب مماثلة، وسط إحساس يراود سكان القطاع المحاصر بأنهم على أعتاب حرب جديدة. حتى الطقس يتسم هذه الأيام بالبرودة ذاتها التي كان عليها قبيل الحرب، علاوة على التماثل مع تلك الأيام في صعوبة توفير الطاقة نظرا للانقطاع المستمر للكهرباء، وذلك بعد عودة القطع المبرمج بشكل يومي إلى كل بيت. أما من الناحية السياسية والجماهيرية، فإن عدوان الشتاء الماضي سبقه كذلك إقامة حركة حماس مهرجان انطلاقتها الحادي والعشرين بحضور جماهيري كبير فاجأ كل المراقبين وقتها، في حين شهد قطاع غزة قبل أيام أيضا مهرجانا جديدا للحركة تميّز بحضور جماهيري أكبر من سابقه، رغم أنه جاء في ظل استجماع تأثيرات الحرب والحصار الخانق. وكما كان عليه الأمر قبيل الحرب، فإن المحاصَرين في القطاع يتزاحمون اليوم على محطات الوقود للتزود بمشتقاته. لكن الفارق أن تزاحم الشتاء الماضي جاء بعد رواج شائعات بأن الطائرات الإسرائيلية ستقصف الأنفاق، في حين يأتي تكرار الموقف اليوم على خلفية تشييد السلطات المصرية الجدار الفولاذي والقنوات العازلة على طول الحدود مع القطاع، لإغلاق تلك الأنفاق التي تعتبر شريان الحياة بالنسبة لأهالي غزة في ظل الإغلاق المطبق للمعابر، ومن بينها معبر رفح ; بوابة الغزيين الوحيدة إلى العالم الخارجي. أجواء حرب لا تغيب الحرب عن حديث الفلسطينيين في غزة، فأجواؤها حاضرة، بل يرون إرهاصاتها ماثلة أمامهم دون أن تغيب التوقعات بما هو أسوأ. لكن آخرين في القطاع لا يتوقعون ذلك، ويتساءلون "ماذا ستحقق أي حرب جديدة للاحتلال بعد أن أخفق في تحقيق أهدافه قبل عام؟". أما فريق ثالث فيرى أن القيادة الإسرائيلية تنتظر إتمام صفقة تبادل الأسرى واستعادة جنديها الأسير في غزة ، جلعاد شاليط، لشنّ حرب جديدة تأكل الأخضر واليابس، ويكون الشهداء فيها بالآلاف وليس بالمئات عبر مجازر جماعية أكثر دموية من كل ما سبق. وقد حلّق الطيران الحربي الإسرائيلي بشكل مكثف قبل عدة أيام ، وعلى ارتفاع منخفض، في أجواء مدينة غزة، وفي مناطق أخرى من القطاع، وهو ما جعل سكانه يتوقعون شن عدوان جديد قبل أن تتبدّد التوقعات. وكانت وزارة الصحة في غزة والدفاع المدني أعدّا خطة طوارئ للتعامل مع أي عدوان حربي قادم، وأجريت في هذا الصدد عدة تمرينات ميدانية، كما تم تشكيل غرفة عمليات مشتركة بينهما والمؤسسات الأهلية والأممية، كالصليب والهلال الأحمر ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). كما أجرت الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في غزة عدة تمارين مشابهة في مناطق صعبة من أجل الاستعداد لأي طارئ، وشارك في تلك التمارين معظم منتسبي هذه الأجهزة. أما على صعيد المقاومة، التي استطاعت صد العدوان الحربي الماضي بصورة فاقت كافة التوقعات، فإن المصادر الإسرائيلية تؤكد من جانبها أن المقاومة، وفي مقدمتها المقاومة الإسلامية (حماس) أصبحت الآن أكثر تسلّحا وقوة واستفادت من درس الحرب على غزة، بل إنها أجرت تجارب على صواريخ تصل إلى قلب مدينة تل أبيب، حسب هذه المصادر.