يشكل البرنامج الاستعجالي الذي أعدته اللجنة الوزارية التي تم تشكيلها بتعليمات ملكية سامية، خطة وطنية رائدة وطموحاً، تستند إلى الرؤية الملكية المتبصرة والحكيمة، وتعكس نجاعة السياسة التي تتبعها المملكة المغربية في التعامل مع التبعات الخطيرة للزلزال الذي ضرب الإقليمين الحوز وتارودانت، وامتدت ارتداداته لتشمل في المجمو0ع الأقاليمَ الخمسة المتضررة. فهذا برنامج عالي السقف واسع المدى يهدف لتوفير الإيواء المؤقت من خلال صيغ إيواء ملائمة للبيئة وللطبيعة السكانية في عين المكان، بحيث تكون مقاومة للبرد وواقية من الاضطرابات الجوية، وتتوفر على كل المرافق الضرورية، مع صرف مساعدة استعجالية بقيمة 30000 درهم للأسر المتضررة، ريثما تتم إعادة الإعمار لخمسين ألفاً من المساكن، وتعود الحياة إلى طبيعتها في المناطق المنكوبة، وتستقر كل أسرة تضررت من الزلزال في مسكنها الجديد. فليس البرنامج الاستعجالي هذا خطة إنمائية فحسب، وإنما هو، وبكل المقاييس، نقلة نوعية في مجال التعمير والسكنى والإنماء، باعتبار الحجم الكبير من التحديات التي تواجهه ومستوى الإكراهات التي تعترضه وصعوبة الظروف التي سيتم تنزيلُه في أجوائها. وهو ما نعبر عنه بالمبادرة الوطنية الرائدة وبالخطةِ الطموحِ التي ترمي في أهدافها الآنية وغاياتها القريبة والبعيدة، إلى تجديد الحياة للمواطنين المنكوبين الناجين من الزلزال، وتوفير سبل العيش الكريم لهم فوق أراضيهم وفي وسط بيئتهم وفي أجواء الأنماط الحياتية التي تميزوا بها وصارت من طبائعهم وتقاليدهم وأعرافهم المتوارثة جيلا بعد جليل.
والخطط الكبرى ذات الطموح الواسع والأهداف الاجتماعية والإنسانية العليا، تتخذها الدول القادرة على رفع التحديات في الأزمنة الصعبة. والمملكة المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، من جملة الدول التي لا تنهزم أمام الكوارث الطبيعية، ولا تضعف في وجه الأزمات الطارئة، وإنما هي تصمد وتواجه الآثار المترتبة عن هذه الكوارث، بسياسة رشيدة، وبقيادة ملكية حكيمة، وعلى ضوء الرؤية المتبصرة لجلالة الملك، أيده الله ونصره، التي أبدعت البرنامج الاستعجالي لتدبير مخلفات الزلزال والتعامل المسؤول مع التبعات الناتجة عنه.
وأمام هذا الوضع الطارئ الذي أعد المغرب العدةَ المناسبةَ لمواجهته بهذه الخطة الوطنية الرائدة الطموح، نستطيع أن نقول إن جلالة الملك محمد السادس، أعز الله أمره، يقود اليوم المسيرة الخضراء في صيغتها الإنمائية الجديدة. ولعل ما نشاهده من أرتال الشاحنات المحملة بالمؤن والمواد المطلوبة للمنكوبين، وهي تزحف نحو الأقاليم الخمسة المتضررة، هو من المشاهد التي عشناها في زمن المسيرة الخضراء في صيغتها التحريرية الأولى.
وهو الأمر الذي يؤكد أن مسيرات المغرب لا تتوقف، وأنه كما حررنا بالأمس الصحراء المغربية بمسيرة 6 نوفمبر سنة 1975، نحرر اليوم المناطق المتضررة بالزلزال، من آثار الدمار التي أصابها، ومن مخلفات الكارثة التي يعاني منها المنكوبون من سكان تلك المناطق، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، رعاه الله، وبالتضامن الوطني الخلاق الذي عبر عن متانة النسيج المجتمعي أقوى ما يكون التعبير.