التعليم يحتاج إلى تأن ورؤية شمولية حقيقية وفاعل سياسي يدرك فعلا حقيقة العلاقة بين العلم والمعرفة وبين تقدم الدول ارتأى النائب البرلماني عبد الرحيم بنبعيدة عضو الفريق الاستقلالي بمجلس النواب أن يخلع قبعة السياسي ويلبس قبعة الأستاذ الجامعي وذلك خلال مناقشة ملف الإصلاح الجامعي يوم الاثنين الماضي في سياق جلسة المساءلة الشهرية، مستندا في ذلك إلى خبرته بالجامعة على مدى 36 سنة كطالب وكأستاذ جامعي. وقال مخاطبا رئيس الحكومة "عن أي إصلاح سأتحدث، وأنا نتاج للعديد من الإصلاحات داخل الجامعة، التحقت بجامعة القاضي عياض في سنة 2002، وفي سنة 2004 سقط علينا ما يسمى بالإصلاح المشؤوم الذي خرب الجامعة المغربية، وحولها من قطب جامعي كبير إلى مدرسة صغيرة". وتابع بنبرة نقدية قوية أن الجامعة والتعليم عموما كان حقلا لعدد من المخططات الاستعجالية، والحال أن مصطلح "الاستعجالي" لا يستعمل إلا في مجال القضاء، ومجال التدخل الطبي العاجل، ليؤكد بالمقابل أن التعليم يحتاج إلى تأن، ورؤية شمولية حقيقية، وفاعل سياسي يدرك فعلا حقيقة العلاقة بين العلم والمعرفة وبين تقدم الدول. وسجل بعد ذلك أن العالم اليوم يعيش على وقع نماذج دول صغيرة كانت تعاني بالأمس من حروب أهلية، والتجأت في مجال التنمية إلى التعليم والمعرفة وتقوية قدرات الأستاذ والطالب، مما خولها الانعتاق من مراتب التأخر والتخلف، ولتتبوأ اليوم مواقع متقدمة في مجال التنمية. وواصل في نفس الاتجاه بأن الجامعة المغربية كانت تؤثر في المجتمع، واليوم صارت تتأثر بالمجتمع، وهانت من حيث مكانتها في وقت هان فيه كل شيء داخل المجتمع، ليتساءل "لماذا اليوم نطالب بأن توجد جامعة مغربية قوية، وفي نفس الوقت هناك العديد من المرافق والمؤسسات تتهاوى، والمجتمع بدوره يتهاوى؟ معلنا بعد ذلك أن الأساتذة الجامعيين ليسوا ملائكة حتى لا يتأثروا، وأن هذا الخطاب النقدي يستشعر الخطر ولا يروم المزايدة، كاشفا في هذا الإطار "أنا لا ألبس ثوب المعارضة أو الأغلبية، ولكن ألبس في هذه الجلسة الموقرة حب الوطن، فالجامعة المغربية في خطر ولذلك يجب أن نتدخل بتأنٍ، وندرك جيدا الإصلاح الجامعي الذي نريد". وأفاد على صعيد آخر أنه بعد البرنامج الاستعجالي، والإصلاح المشؤوم ل2004، جاء إصلاح الباشلور والذي رحب به الأساتذة الجامعيون رغم عدم مشاورتهم كونهم يشكلون قطب الرحى في الجامعة، وبعد سنة تم سحب هذا النظام والذي رحب به الأساتذة كذلك، لكن هذا في تقدير الدكتور بنبعيدة يناقض مبدأ استمرار المرفق العمومي ويرسخ لثقافة تنزيل رؤية كل مسؤول يتولى تدبير هذا القطاع، موضحا في هذا الاطار "نحن لسنا ضد اللمسة الإصلاحية لأي مسؤول، ولكن حين يغادر ويأتي مسؤول بعده يلغي ما تم فعله سالفا، ولذلك نود ان نعرف هل نتحدث عن رؤية استراتيجية أم عن مزاجيات، ولا يمكنني كأستاذ جامعي أن أنخرط في إصلاح وأرهن به الطلبة لستة اشهر ثم أفاجئهم بأن نظام الباشلور انتهى العمل به، وبالتالي لا غرابة أن الأساتذة وقعوا في حيرة ولم يعرفوا في أي أسدس سيدرجون الطلبة بعد ذلك، في الثاني أو الثالث أو الرابع". ولم تفته الإشارة كذلك إلى ما تعرفه الكليات ذات الاستقطاب المفتوح مثل الحقوق والآداب والشريعة من إشكالات، حيث تعتمد في تقديره على التحليل العلمي، وعلى تكوين رؤية نقدية للطالب، ولكن الأساتذة الجامعيين بهاته الكليات وجدوا أنفسهم مجبرين على تطبيق نظام QCM، لأن المدرج يحتضن 1200 طالب وأكثر، مما لا يساعد على إعطائهم أسئلة نقدية أو تحليلية، وهذا ما ساهم حسب تعبيره في ضياع جيل كبير من الطلبة، وتحويل الدراسة إلى فاست فود يعتمد على الاستهلاك والهضم السريع، وتطوير عملية الغش لدى الطلبة والذي أضحى بمثابة حق مكتسب يدافعون عنه.