كثير من الأمثال العربية والشعبية جعلت من المال كل شيء، فهو الذي يشق الطريق في البحر، وهو الذي يشق مثلها في البر، والفضاء، هو الذي ينير الظلمات ويفتح المسارب ويحل المشاكل والعقد، لا يدرك شأوه إلا من به خصاصة، كل الناس كبارا وصغارا ذكورا وإناثا يستشعرون نحوه حنينا وحميمية، يتملقونه ويتمسحون بعتباته وظلاله، ويرقصون للمعانه ورناته، إن حضر امتطى صاحبه أرقى مكان وإن غاب حل به البؤس والهوان، اللي ما عندو فلوس كلامو مسوس، يماه عورة والباه متعوس. اللي معاه قرش يساوي قرش دلاله على القوة، وهكذا أمثال ونكت وطرائف ومستملحات وقصص كثيرة قديمة وحديثة، أعلت من شأن المال واعتبرته دوما بطلا أبديا صانع اللذات والمسرات، والواقي من الجائحات والتبعات. لكن بكل بساطة وبناء على ما قيل عن المال والتفافا حول شعاعه الذي يعمي البصائر والأبصار، نتساءل هل المال يصنع الرجال ويحقق لهم الإنتصار؟ هل المال وحده يساعد الشعوب على التقدم والازدهار؟ هل المسؤولون يعتمدون فقط على الأموال لإدارة شؤون المواطنين والوصول بهم إلى أعلى مراتب التقدم؟ التاريخ يحتفظ لنا بقصص وحكايات عن كثير من الحكام وذوي السطوة المالية ناموا ونامت معهم سياسة العجرفة مع شعوبهم، على أسرة وسائد من أموال طائلة كانت سببا في نهاياتهم المأساوية، لأنهم كانوا يظنون أن بالمال سيشترون كل شيء بما في ذلك مفاجآت المستقبل وما تضمره الأيام. نريد أن نقول بصريح العبارة إن إدارة مصالح الشعوب فعلا تحتاج إلى موارد مالية ضخمة، لكن توفر هذه الموارد بكثرة لا يعفي من التبصر والحكمة في طريقة صرفها ومعرفة حدود فائدتها، وأن المورد المالي مهما كثر لا يغني عن ضرورة ما يدعمه ويسانده ليجعل منه قوة بناء لا قوة هدم وفساد. نظل نقول ونسمع هذه دول غنية وهذه دول فقيرة، ويذهب تفكير أغلب الناس ناحية الغنى المادي فقط أي المال والثروات الطبيعية من معادن بترول وغاز وذهب وغيرها، وينسون أنه عندما نقول هذا بلد غني معناه وجب أن تظهر على هذا البلد في نظرنا علامات الغنى المتعدد في المال، كما في الفكر والتربية والعلوم والقوانين والثقافة والفنون والحياة العامة للناس، من طب وتعليم وترفيه واحترام حقوق الإنسان والبيئة، بهذا كله تتقدم الشعوب وتستحق صفة الغنى الحقيقي، ولا يتم هذا الجمع أو الإنصهار بين الغنى المتنوع وشعب من الشعوب، إلا بتوعية الناس بأهمية إحداث تغيير في الذهنية العامة وفي علاقتهم بالمال والثروات كوسيلة لا كهدف، وإعادة بناء علاقة إبداعية اجتهادية بين المال كمورد وعصب الحياة، وبين السياسة كإجراء تطبيقي لمنافعه، باعتبارالسياسة الأداة الفعالة لخلق هذا الغنى المتعدد وحمايته وتوزيعه بالقسطاس بين جميع المواطنين. لا يحق لمن يمتلك أموالا أن يطاع بالقوة إذا كانت هذه الأموال وبالا على الناس وسببا في شقائهم وفتنتهم وطبقيتهم، فإذا أراد مالك المال أن يضمن لماله المآل الجيد السعيد، وجب عليه أن يتعافى من الغطرسة والأنانية والمصلحة الخاصة، وأن يعثر فيه على ما يغاير طبعه المقيت: التجبر، ويتسابق بفاعلية وجدارة نحو اسثمار أمواله في ما ينفع البلاد والعباد . الدول التي تريد أن يتلألأ اسمها في سماء الغنى الحقيقي هي التي تنتصر لباقة حقوق الإنسان كلها، دون إساءة أو إهمال لحق من هذه الحقوق، لا تمنح للمال شرعية أن يطغى وينتج الغضب العام ويزيد من اشتعاله، صعب جدا أن تقنع غنيا جاهلا فاقدا لزمام الوعي المواطناتي راكم ثروات طائلة، أن مراكمة هذه الثروة لم تنزل عليه صدفة من السماء، وإنما هي نتيجة إما لكفاح شخصي نظيف أو لنهب ونصب وتزييف، صعب جدا أن تقنع غنيا جاهلا فاقدا للحس الفني والجمالي أن الإستثمار في الفنون والثقافات بشكل جدي ومعقول وثيق الصلة والعرى بتقدم الشعوب، وكم هو بهي ذلك الشعور وأنت ترى غنيا يواصل حضوره المواطناتي يجعل من ثروته أداة لبناء الوطن لا لاستنزاف خيراته، يستحق أن يغدو مناط احترام وتقدير و احتذاء، يستحق أن يخلد في صحيفة أغنياء التاريخ ناصعة البهاء..