المغرب بلد فقير، لكنه غني بأغنياءه، لدينا أغنياء نفتخر بهم ونحن نرى وجوههم الجميلة على صفحات الجرائد والمجلات الوطنية، ونفرح كثيرا حين يتبوؤون مراكز متقدمة بسبب ثرواتهم الهائلة، ولدينا نجوم سهراتهم الغنائية تدر عليهم الملايين، ولدينا أيضا رياضيين رصيدهم البنكي لا يعرف كلمة رجيم، ولدينا ولدينا، كل هذا جميل ونقول لهم قبل أن يرفعوا في وجوهنا أصابعهم الخمسة درءا للحسد، اللهم لا حسد، إننا لا نحسدكم أو نحقد عليكم، وإننا نعرف أنها أموال من عرق جبينكم، لكن...؟ أليس من باب الأخوة فتامغرابيت والوطن و الإنسانية وكل شيء أن تلك الثروات فيها حق معلوم للسائل والمحروم من أبناء وطنكم؟ ماذا يضيركم لو ساهم كل واحد منكم في رفع مستوى هذا الوطن المنكوب؟ وأين هي ثقافة التضامن التي نسمع عنها كثيرا ولا نراها؟ أقول هذا الكلام وصور إخواننا في المناطق التي غمرتها السيول ماثلة أمام عيني، أتذكر الغرقى وهم يلوحون بأيديهم في الهواء طمعا في يد تنتشلهم من الغرق، يتمنون أن تصطدم أيديهم بأي شيء كان لتوقف غرقهم، لكن بعد حلول الأجل لا ينفع أي شيء. هناك من مات وهناك من بقي، الموتى فارقونا إلى دار البقاء و ندعو لهم بالرحمة والمغفرة، أما من ظل حيا فذلك أولى أن ننتشله من الغرق أيضا، أسر فقدت كل شيء، فقدت أفرادا من عائلتها، فقدت ممتلكاتها... أليس من الواجب علينا أن نمد لها يد المساعدة و نواسيها في مصابها؟ قد يقول قائل، ذلك من واجب الدولة، نعم من واجبها و لا نقول العكس، لكن ماذا لو تضامن هؤلاء الأغنياء مع أولئك و مدوا لهم يد المساعدة؟ أو ليست زيادة الخير خيرين؟ لدينا ولله الحمد بعض الفنانين يمكنهم أن يجمعوا الملايين في سهرة واحدة، فلماذا لا نرى مبادرة منهم لأقامة سهرات يكون دخلها لفائدة إخواننا في المحنة؟ ماذا سيضير فنانا محبوبا أو مجموعة من الفنانين لو أقاموا حفلا فنيا و تبرعوا بمداخيله لإخوان لهم في الدين والوطن؟ بالعكس سيضربون طائرين بحجر واحد، سيؤدون عملا خيريا نبيلا و سيكسبون احترام جمهورهم لهم. وماذا يضير مجموعة من الرياضيين المشهورين أن يقيموا تظاهرة رياضية و تخصص مداخيلها لتلك المناطق المنكوبة؟ وماذا يضير لو أن وزراءنا وبرلمانيينا تبرعوا بأجرة شهر أو شهرين وساهموا في مساعدة جزء من الشعب المغربي؟ وماذا يضير أثرياء المغرب أن يسيروا مساعدات خاصة لتلك المناطق؟ وماذا يضير وماذا يضير؟ أنا متأكد بأننا بهكذا مبادرات سنخفف الكثير عن أولئك المنكوبين، سنحسسهم بأن المغرب لازال بخير، و بأن مبدأ التضامن لازال ولله الحمد فيما بيننا، وأننا فعلا كالجسد الواحد، وننسيهم شيئا من أحزانهم ومن غضبهم وهم يشاهدون قناة تمول من جيوبهم عوض أن تتضامن معهم، ترقص على أتراحهم و على جثث موتاهم، قناة لم يرف رمش لمسؤوليها وهي تذيع السهرة تلو الأخرى وكأن من غرق هناك و جرفت السيول منازلهم ليسوا من أبناء هذا الوطن. هل كانت برامج القناة ستتعطل إذا تم تغيير وقت السهرة إلى موعد لاحق؟ وهل( الاحتفال) بموت صباح أهم من ابداء بعض الحزن على موتانا هناك.؟ أخاطب الأغنياء و أقول لهم، بأنكم بقيامكم بأعمال لصالح فقراء و منكوبي هذا الوطن ستزيدون من أرباحكم، نعم، فلا ثروة في ظل السخط والفوضى، ولن تنعم بالثروة و غيرك ينظر إليك بنظرة كلها حقد و يتحين الفرصة للانقضاض عليك، و لا مشاريع ولا استثمار إلا في ظل دولة مستقرة أفرادها متضامنون، نحن لا نقول بأن يكون الجميع متساوون في الثروة، لكن من باب العدل أن يحس الفقير بمؤازرة الغني له. هناك في دول عديدة منها الغني ومنها الفقير نماذج لأناس راكموا ثروات طائلة، لكنهم في نفس الوقت راكموا احتراما وتقديرا كبيرين من الناس، "بيل غيتس" نموذج لتلك العينة، فقد تنازل عن نصف ثروته أو أكثر ووهبها لمن يستحقها سواء داخل بلده أوخارجه، لأنه وصل إلى قناعة مفادها أن السعادة هي أن تدخل السعادة على غيرك، ونحن لدينا أغنياء في جميع الميادين من رجال أعمال و فنانين ورياضيين ... لازال همهم أكل عرق جبين غيرهم من مستخدمين و عمال و فقراء...، لا يعرفون شيئا اسمه التضامن أو أعمال الخير، وهم بذلك يدقون اسفينا في سيرتهم وفي اسمهم الذي يعملون على تلميعه الآن. هي دعوة لجميع الأغنياء من أبناء هذا الوطن، اقتسموا شيئا من ثرواتكم مع أبناء وطنكم قبل فوات الآوان...