حينما يتناقض قصر المرادية مع مواقفه ويتجرأ على التصرف فيما لا يملك في تناقض صارخ مع تأكيد الرئيس الجزائري نهاية الأسبوع الماضي من أن بلاده لن تتخلى عن تعهداتها بخصوص تزويد إسبانيا بالغاز مهما كانت الظروف, خرج أول أمس الأربعاء وزير الطاقة و المناجم الجزائري ببيان يهدد من خلاله اسبانيا بفسخ العقد الذي يربط شركة "سوناطراك" المملوكة للدولة مع زبائنها الإسبان، بعد قرار مدريد بترخيص التدفق العكسي للغاز عبر أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي .
خطوة وزارة الطاقة الجزائرية العدائية و الابتزازية بررتها بتوصل الوزير الجزائري ببريد الكتروني من نظيرته الإسبانية، تيريزا ريبيرا، تبلغه فيه بقرار إسبانيا القاضي بترخيص التدفق العكسي الفوري عبر أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي الذي يصل جنوب شبه الجزيرة الايبيرية بشمال المغرب.
الحكومة الجزائرية التي تعبر رسميا عن رفضها القاطع لتحويل أي كمية من الغاز الجزائري المصدر إلى اسبانيا نحو وجهة غير تلك المنصوص عليها في العقود أي بمعنى الى المغرب , تضع نفسها مجددا في موقف محرج للغاية و لا يستقيم مع القواعد العالمية للقانون الدولي و مع الأعراف الجاري بها العمل في مسائل السيادة و أسس التعامل الاقتصادي في مجال العلاقات الدولية . فوزير الطاقة الجزائري يدرك أكثر من غيره أن مسألة التصرف القانوني في أنبوب الغاز المغاربي الذي يربط اسبانيا بالمغرب يبقى حكرا على المغرب الذي امتلك الانبوب بصفة قانونية منذ نهاية شهر أكتوبر الماضي حين قررت الجزائر عدم تجديد عقد استغلاله بعد 25 سنة من الخدمة , و بذلك تحول الى ملك خالص للدولة المغربية التي لها وحدها أحقية التصرف فيه و استغلاله بالطريقة التي تراها مناسبة لمصالحها , و بذلك فإن تدخل الحكومة الجزائرية مجددا في ما لا تملك و التهديد بقطع امدادات الغاز المتعاقد عليها عن مدريد لمجرد أن هذه الأخيرة قررت بشكل سيادي الترخيص باستغلال شطر الانبوب المتخلى اراديا عنه من طرف الجزائر, يشكل تدخلا سافرا و جديدا في الشأن الداخلي لإسبانيا كدولة و محاولة يائسة لابتزازها مجددا و الضغط عليها لتتراجع عن مواقفها السيادية المرتبطة بمسائل الوحدة الترابية لجارها الجنوبي ( المغرب ). و الراجح في ضوء المستجدات الإقليمية و الدولية أن النظام الجزائري قد تنبه متأخرا الى خطورة قراره الانفعالي و المزاجي بوقف نشاط خط الغاز العابر للمغرب في اتجاه اوربا , و هو غير قادر على تحمل المزيد من عواقب هذا القرار الاعتباطي و الارتجالي سواء على مستوى تداعياته المالية على وارادات الخزينة الجزائرية , أو ارتداداته الدبلوماسية و السياسية المكلفة جدا للنظام الجزائري الذي ما زال يعيش ورطة حقيقية في تبرير خياراته و مواقفه و تناقضاته و لهذا يرتكب المزيد من الحماقات السياسية التي تؤثر على سمعته و مصداقيته ليس فقط بإسبانيا بل بمجموع الكتلة الاوربية الموحدة التي لن تقبل بالمطلق أن يصرف قصر المرادية عدائه المزمن للمغرب الى حماقات جديدة تهدد المصالح الاقتصادية لمدريد وحدها بل مصالح الاتحاد الأوربي و حلف الناتو ككل .
ثم إن وزارة الطاقة الجزائرية التي استعجلت اصدار بيان التهديد المجاني الجديد في اتجاه مدريد تدرك جيدا أن الحكومة الاسبانية سبق و عبرت بشفافية و صراحة في أكثر من مناسبة أن منشئاتها الغازية رهن إشارة الطلب المغربي بعد أن تقتني الرباط حاجياتها من الغاز من الأسواق الدولية وتتكلف مدريد بمعالجتها و إعادة ضخها عبر شطر الانبوب الأورو مغاربي الذي لم تعد للحكومة الجزائرية صلة به من قريب أو بعيد . و بهذا فإن خرجة وزير الطاقة الجزائري السيد عرقاب لا يمكن اعتبارها في السياق الإقليمي الا موقفا استعراضيا جديدا موجها للرأي العام الداخلي بالجزائري أكثر منه موقفا دبلوماسيا و سياسيا يستدعي تعليق و قلق حكومة مدريد من تكرار المواقف و السلوكات المزاجية غير المتزنة لشريكها الاقتصادي بالعاصمة الجزائرية .