العلاقات الثنائية مع المغرب موضوع تقاطعات متناقضة بإسبانيا رغم أن وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس لا يتردد في كل مناسبة في التأكيد أن العلاقات الثنائية مع الجارة الجنوبية ممتازة و قابلة للتطوير نافيا بالمرة وجود أزمة صامتة مع الرباط , إلا أن تحركات و مواقف مريبة داخل المشهد السياسي الاسباني تعطي الانطباع بأن مدريد متوجسة من « جموح « الرباط و ترفض تقديم المزيد من التنازلات السياسية للمغرب كما هو الحال في عز الصيف الماضي حين تم إعفاء وزيرة الخارجية السابقة أرانشا غونزاليس لايا , التي دفعت ثمن التسبب في أزمة عاصفة مع الرباط حين نفذت خطة دخول زعيم الانفصاليين سرا الى اسبانيا
رغم أن عددا كبيرا من المنظرين السياسيين الإسبان يجزمون بأن إسبانيا والمغرب محكوم عليهما بالتفاهم والتعايش إلا أن الخروج المتكرر لسياسيين اسبان محسوبين على التحالف الحاكم أو المعارضة اليمينية المتطرفة بتصريحات و مطالب معادية للمصالح العليا للمملكة المغربية , يضع مسار التوافق و جهود تسوية خلافات الماضي القريب و البعيد محط سلوك جذب و ممانعة من العديد من جيوب المقاومة التي ما زالت تنظر الى الجار الجنوبيلاسبانيا باعتباره ارثا استعماريا يتعين عليه الخضوع لإملاءات و أجندات مدريد و تقبلها دون إعتراض أو تحفظ .
في المقابل لا تبدو الرباط مستعجلة في التطبيع الشامل لعلاقاتها مع جارها الشمالي , و هو ما يتجلى في التأخير المقصود لعودة السفيرة المغربية بمدريد أو من يخلفها الى مكتبها بالعاصمة الاسبانية، و عدم تعليق الخارجية المغربية علنا على الاعتراض الاسباني على مزارع مائية للأسماك أقامتها شركة مغربية جنوب الجزر الجعفرية المحتلة .
الدبلوماسية المغربية التي تتعامل عادة برصانة وبدون ضجيج مع قضايا الجوار، تدرك أهمية القضايا وحساسية الملفات التي تتشاركها مع مدريد، وتنتظر من شريكها الاستراتيجي الشمالي المزيد من المواقف المنصفة في تقدير حجم وتبعات كل ملف بمعادلة الجوار التي تتأسس على قضايا الصحراء وثغري سبتة ومليلية و ملفات الهجرة والأمن.
في هذا السياق تتطلع مدريد متخفية وراء المجموعة الأوربية إلى المزيد من التعاون المغربي في مجالات الهجرة والتهديدات الإرهابية، لكنها لا تبذل مجهودا موازيا لمكاسبها السياسية والأمنية من شأنه طمأنة الرباط فيما يتصل بملف وحدته الترابية .
المغرب ينتظر من مدريد أفعالا و ليس مجرد أقوال و أماني، ومدريد تقارب علاقاتها الثنائية مع جارها الجنوبي بزوايا متعددة ومتناقضة أحيانا .
الحكومة الائتلافية الاسبانية ذات التوجه اليساري ترفض لاعتبارات داخلية محضة تقديم شيك على بياض للرباط حتى لا تقع فريسة للهجمات القومية لليمين الاسباني المتطرف الذي لا يفوت فرصة أو مناسبة للإشارة إلى المغرب باعتباره مصدر قلق و تهديد مزمن لأمجاد اسبانيا الاستعمارية .
الحكومات المحلية لإسبانيا بثغري سبتة و مليلية المحتلتين و بجزر الكناري جنوب المغرب لا تتحفظان في تبني سلسلة من المواقف المعادية للمغرب في العديد من قضايا السيادة و السياسة الجوارية و التطرف في التصدي لسياسة حكومة مدريد المركزية تجاه المغرب .
قيادة جبهة البوليساريو بتندوف ما زالت تراهن على الأحزاب القومية الإقليمية ببلاد الباسك و كتالونيا و جزر الكناري كقواعد دعم سياسي و مالي لأطروحاتها الانفصالية، و المشهد السياسي و الحزبي الاسباني حائر ما بين اتخاذ خطوات فعلية لترسيم التهدئة الدبلوماسية و الاقتصادية مع الرباط , أو الخضوع لضغوط لوبي الممانعة الذي يرى في ملف الجوار المغربي مجرد أرضية للتدافع السياسي الداخلي بإسبانيا و تحقيق بعد المغانم الانتخابية الظرفية عبر التهويل في تصوير تطورات المنافسة المغربية لاسبانيا و توهيم الرأي العام الاسباني بأضرار و عواقب سياسة الند للند التي تنتهجها الرباط على مصالح مدريد المستقبلية...