أحزاب كاطالانية تطالب الدولة الإسبانية بالاعتذار للمغرب عن الغازات الكيماوية السامة التي ألقتها على ساكنة الريف. أفادت مصادر صحفية إسبانية مؤخرا، أن حزبي «اليسار الجمهوري الكطالاني» و»جميعا من أجل كطالونيا» (جونتس) (اللذان يشكلان الحكومة الائتلافية بإقليم كطالونيا) تقدما أمام لجنة السياسة الخارجية لمجلس النواب بمشروع قانون ينص على اعتذار الدولة الإسبانية عن الجرائم التي اقترفتها في شمال المغرب ما بين سنتي 1921-1927، خاصة استعمالها للغازات الكيماوية السامة لمواجهة ثورة رجال المقاومة الريفية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي.
كما تضمن المشروع الحزبي الكاطلاني مقترح جبر الضرر وتخصيص تعويض مادي لساكنة منطقة الريف وأسر الضحايا، نتيجة الدمار الذي لحق أراضيهم ومساكنهم، إضافة إلى الأمراض المزمنة التي أصيبت بها الساكنة، جراء استعمال هذه الأسلحة المحظورة عالميا، من طرف إسبانيا بتعاون وتنسيق مع كل من ألمانياوفرنسا.
وعلل الحزبان الكاطالانيان المقترح بأنه ذو بعد إنساني ويدخل ضمن خانة الإنصاف والمصالحة، كما طالبا الحكومة الإسبانية الحالية بالاعتراف بهذه الجرائم تشريفاً لذاكرة الضحايا.
وطالب الحزبان أيضا بضرورة تعاون إسبانيا مع السلطات والمجتمع المدني والمؤسسات الجامعية المغربية والإسبانية على حد سواء، لإنجاز تحقيق واسع حول التأثيرات والانعكاسات السلبية الناتجة عن استعمال الغازات الكيماوية السامة.
ويذكر في هذا السياق، أن العديد من الأبحاث العلمية والدراسات الجامعية والأكاديمية التي أنجزت بالمغرب وخارجه، خلصت إلى وجود صلة قوية بين الحالات المرتفعة لعدد المصابين بالسرطان في منطقة الريف (خاصة إقليمي الحسيمة والناضور) والغازات السامة التي ألقيت في شمال المغرب إبان حرب الريف خلال عشرينيات القرن الماضي.
وكان برلمان جهة كاطالونيا قد صادق في مناسبات سابقة على قرارات تدعو حكومة مدريد إلى الاعتراف بجرائمها المرتكبة بشمال المغرب خلال فترة الحماية، كما أن أحزاب أخرى بجهة الباسك، تقدمت بمقترحات مشابهة في هذا الشأن.
وكانت الفعاليات الحقوقية والإطارات الجمعوية المغربية وخاصة في منطقة الريف، سباقة لطرح وفتح ملف استعمال إسبانيا للغازات السامة ضد ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي للقضاء عليها، بعد تعرض كل من إسبانيا وفرنسا لسلسلة من الهزائم في شمال المغرب، أبرزها خلال معركة «أنوال» الشهيرة (شهر يوليوز من سنة 1921) أو ما يعرف في التاريخ الإسباني ب»المعركة الكارثة»، التي فقد خلالها الجيش الإسباني أكثر من 13 ألف من قواته، كما تعرضت فرنسا لاحقاً (سنة 1925) إلى هزيمة نكراء على يد الثورة الريفية في معركة «ورغة» على مشارف مدينة فاس.
وأدركت فرنسا حينها أن زحف رجال المقاومة الوطنية بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي في اتجاه المنطقة السلطانية يعني نهاية وجودها في شمال إفريقيا، مما جعل باريسومدريد تعبئان أكثر من 400 ألف جندي، وتستخدمان خلال هذا الحدث التاريخي المأساوي الغازات السامة لقصف منطقة جبالة شمال غرب المغرب، ومنطقة الريف في الجهة المقابلة، حيث كانت البداية باستعمال قطع المدفعية، لتتطور لاحقاً إلى توظيف الطائرات العسكرية في عمليات القصف الجوي، من خلال مشاركة طائرات أمريكية تنتمي لما يسمى ب»مجموعة لافاييط»، لإلحاق أكبر الخسائر في صفوف المقاتلين المغاربة وأيضا السكان المدنيين. وهنا تجدر الإشارة إلى أنها المرة الأولى في تاريخ الحروب يتم استخدام الطيران الحربي في عمليات إلقاء الغازات السامة على المدنيين. وماتزال إسبانيا تشهد بين الفينة والأخرى سجالات ونقاشات سياسية وثقافية وإعلامية وتاريخية حول هذا الماضي المؤلم، والذي يتم خلاله استحضار المغرب كطرف محوري في هذا الموضوع.