وجدت أحزاب اليسار الأوروبية نفسها في وضعية مأزق حقيقي أثناء مناقشة البرلمان الأوروبي مشروع التوصية التي رفعتها بعض الأحزاب السياسية الإسبانية ضد المغرب ، و مثلت تلك اللحظة امتحانا حقيقيا لأحزاب اليسار الأوروبي . فهي الأحزاب التي تبرر مساندتها لما تسميه ( الشعب الصحراوي ) و ( حق الشعوب في تقرير مصيرها ) و ( مناهضة الاستعمار ) و تدفع في هذا الصدد بأن الأمر يتعلق بمبدأ ثابت من المبادئ الأساسية و الرئيسية لليسار . إلا أن نفس هذه الأحزاب ،لا ترى أي حرج و لا خجل ،في التصويت على توصية البرلمان الأوروبي ،التي تعتبر المناطق المغربية المحتلة من طرف أسبانيا في شمال المغرب ، خصوصا سبتة و مليلية و الجزر التابعة لهما ، تندرج في إطار حدود الإتحاد الأوروبي ، و هي المناطق التي توجد في تراب آخر غير تراب القارة الأوروبية ، و هي منطقة بعيدة حتى على التراب الاسباني ، و يعرف قادة هذه الأحزاب قبل غيرهم ، أنها مناطق مغربية تحتلها إسبانيا من فترة طويلة جدا . و هكذا فإن منطقة ملتصقة بالتراب المغربي ، بل تعتبر امتداده الطبيعي في الجنوب ، أرض مستعمرة وجب تحريرها لفائدة شعب لم يكن له أي أثر في الماضي القريب ، بيد أن منطقة يفصلها البحر عن القارة الأوروبية ، و بالتالي عن التراب الإسباني ، و تقع في صلب جغرافية بلد اخر ، ليست منطقة مستعمرة ، حسب اليسار الأوروبي ، بل إنها تعتبر الامتداد الطبيعي للحدود الأوروبية .
مهم أن يقع هذا اليسار في هذا التناقض الصارخ ، لأنه يسمح لنا بالتأكيد على أن مناصرته لتقرير من يسميه ( الشعب الصحراوي ) ، و للدولة المزعومة في الصحراء المغربية ، مجرد مزايدة من مزايدات هذا اليسار ، و أن الأمر لا يتعلق بالإيمان بمبدا ما ،و لكن بمجرد تصريف استهداف لدولة ، و أن الموقف من الاستعمار و تقرير المصير يتلون و يتغير حسب منسوب العداء و الأحقاد .
ما سمعته أثناء متابعتي لجلسات البرلمان الأوروبي يدعو فعلا إلى الشفقة على يسار مترهل ، تحكمه متناقضات غريبة و خطيرة .