يلعب الفيلم الوثائقي أو الروائي دورا مهما في التوعية بثقافة حقوق الإنسان و نشرها بواسطة الصوت و الصورة في كل أرجاء الكون، ومن المفارقات الغريبة أن الإنسان لا يتصارع مع مخلوقات أخرى من أجل حقوقه، بل يتصارع مع أخيه الإنسان، و إذا كان الإنسان قد ناضل بمختلف الوسائل و الأساليب و ذاق مختلف أنواع القتل و التعذيب و الإذلال من أجل تحقيق حقوقه فإن السينما ناضلت هي أيضا إلى جانبه في فضح الخروقات و الانتهاكات الصارخة التي ارتكبت في حق الإنسان من الجنسين و من مختلف الأعمار و الألوان في مختلف أنحاء العالم إبان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي و الغربي و بعدها أيضا. تناولت الأفلام السينمائية الروائية و الوثائقية مختلف الخروقات المرتبطة بهذه الحقوق الاجتماعية و السياسية مثل الاستبداد و الدكتاتورية و الحرمان من الحرية بكل أنواعها، العنف الجسدي و النفسي، الاستعمار و الاحتلال و الاستغلال، الاختطاف و الاغتيالات و التعذيب و التجويع، العنصرية و العبودية و التصفية العرقية، الهجرة و التهجير، انعدام العدالة و المساواة و فساد القضاء و غيرها من المواضيع التي تناولتها أفلام مازالت راسخة في أذهان مشاهديها و هي أفلام شاهدة على عصرها و لها قيمة تاريخية و لو كانت روائية، أفلام جعلت من السينما أرضا لحقوق الإنسان. كل هذا دفع بالعديد من البلدان إلى إنشاء ملتقيات و مهرجانات حول موضوع السينما و حقوق الإنسان و من بينها المغرب الذي نظم خلال مناسبات مختلفة بعض التظاهرات حول نفس الموضوع ، و بهدف العمل على النهوض بثقافة و حماية هذه الحقوق و إشعاعها ، بادر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس إلى تنظيم الدورة الأولى من «اللقاءات المتوسطية حول السينما و حقوق الإنسان» التي احتضنتها مدينة الرباط انطلاقا من يوم الخميس الماضي و التي ستختتم مساء يوم غد الأحد بعرض الفيلم الروائي البيروفي «حليب الأسى» للمخرجة كلاوديا لوزا، ويتناول من خلال موضوعه قضية القمع و الذاكرة الفردية و الجماعية المعلقة و العنيفة.و قد تمت دعوة سينمائيين مغاربة و أجانب اشتغلوا على قضايا حقوق الإنسان من بينهم المخرج الجزائري مرزاق علواش الذي عرض فيلمه الجديد «حراكة» في حفل الافتتاح و الذي يحكي مغامرة مجموعة من الشباب الجزائري يحاولون القيام بهجرة غير شرعية إلى إسبانيا عبر البحر الأبيض المتوسط ، و من بينهم أيضا الفنان السوري الكبير دريد لحام الذي سيتم تكريمه مساء يومه السبت بقاعة الفن السابع مع عرض فيلم «الحدود» الذي شارك في بطولته إلى جانب الفنانة «رغدة». برنامج هذه الدورة تضمن 14 فيلما روائيا و وثائقيا و لقاءات و ثلاث ندوات موضوعاتية حول نضالات النساء بالمنطقة المتوسطية، و حول السينما كشاهد على العصر، و حول الهجرة في المنطقة المتوسطية، و تضمن أيضا ورشتين إحداهما حول السينما و المقررات الجامعية و الأخرى خاصة بالشباب حول حقوق الصورة من تنشيط علي الصافي. تهدف هذه التظاهرة المنظمة بشراكة مع بعض المؤسسات و بدعم من مؤسسات أخرى حكومية أو شبه حكومية أو من القطاع الخاص إلى إطلاق و تطوير دينامية وطنية حول موضوع السينما و حقوق الإنسان وضمان استمرارية هذه الدينامية مع العمل على الخروج بحركية ثقافية إقليمية متعلقة بحقوق الإنسان، تأسيس جسور النقاش بين كل الفاعلين في هذا الميدان و فتح نقاش موسع حول إشكاليات حقوق الإنسان في المنطقة المتوسطية، تقاسم التجارب و تبادلها في مجال الإبداع السينمائي حول واقع حقوق الإنسان في المنطقة المتوسطية و تشجيع الإنتاجات السينمائية الروائية و الوثائقية حول قضايا حقوق الإنسان بالمنطقة.