خلال إقامته لمدة ثلاث أسابيع بتطوان، استحضر الفنان التشكيلي الشاب محمد المهداوي، خريج المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، تاريخ هذه المدينة العريقة التي صنفتها اليونيسكو تراثا عالميا. فالأبواب السبعة التي تحدد أسوار المدينة القديمة تحكي ماضيها، من تعاقب الهجرات المتتالية، انطلاقا من المؤسسين الأندلسيين للمدينة في أواخر القرن 15، ثم الاستقرار الكثيف للمورسكيين بها في أوائل القرن 17، فنقل حي الملاح عام 1808 إلى موقعه الحالي، وفتح أسوار المدينة في بداية القرن20 لربط المدينة العتيقة بالحي الإسباني الجديد. وهناك أيضا الابتكار المتألق للشبكة المائية التحت أرضية لتوزيع الماء (السكوندو). كما تعكس كل من باب العقلة وباب الصعيدة وباب السفلي وباب المقابر وباب النوادر وباب التوت وباب الرموز مراحل تطور المدينة والتقلبات والتباينات التي لحقت بطابعها المعماري. هذه الخصائص وأخرى ألهمت محمد المهداوي أعمالا متعددة الشكل تتراوح بين الأداء الفني والتجهيز والتوثيق. فاختار أن يستثمر الأبواب السبعة للمدينة العتيقة، الباب تلو الأخرى، عبر تدخل يخول له بشاعرية استحضار الكيفية التي تكبح بها عتبات الأبواب القديمة التدفق السكاني المستمر. المعرض الذي نظم باسم «فيض» بمنزل تقليدي بالمدينة العتيقة ، حمل علامات تطور العمارة التطوانية. وقد امتد العرض إلى الفضاءات الداخلية متماشيا مع سياق البحث، ويشتمل «عملا تركيبيا وآثارا مختلفة من الأداء الذي تحقق في الفضاءات الخارجية». في الأخير يعتبر معرض»فيض» مشروعا ذا حدود متحركة، تكمن في جذوره مساءلة اجتماعية وحضرية تجمع الماضي التاريخي لمدينة تطوان بواقعها المعاصر، إذ التأثيرات المتضاعفة تنفذ عبر حدود مسامية لإعادة تعريف اليومي. وكانت منسقة المعارض برينيس ساليو قد وضعت يدها على المراحل التي قطعها هذا العمل الفني المعاصر بأحد المنازل التقليدية بالمدينة العتيقة التي تحولت أخيرا إلى فندق شارحة بشكل مشوق» فيض» محمد المهداوي لعدد كبير من المشاركين في أيام الأبواب السبعة وبحضور الرئيس المنتدب لجمعية تطاون أسمير وبعض أعضائها، مظهرة صورا فوتوغرافية للمهداوي ، وهو يشتغل وسط حركة الناس أمام كل باب من الأبواب السبعة،حيث يمتزج الفن والحياة معا والنظر في اللوحات المرسومة التي تبرز كل باب من أبواب مدينة تطوان السبعة تشكيليا وإبداعيا وفنيا بشكل عصري، الأمر الذي يجعل العمل الفني للمهداوي يجمع مابين الإنجاز، الرسم، التركيب، الفيديو، التوثيق والاندماج في المجتمع، أو كما عبرت بيرينيس ساليو قائلة إن هذا العمل « سيولة تعكس على الوجه الأكمل تعقد تطوان، كمدينة ذات حدود مسامية وتأثيرات متعددة بغناها الثقافي، مايجعلها على الدوام موضوع تفاوضات متواصلة».