قبل أيام قام الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون بزيارة لأحد المختبرات العلمية الفرنسية بباريس التي تبحث عن إمكانية إعداد لقاح ضد فيروس "كورونا المستجد"، حيت تفاجأ بأغلبية العاملين في هذا المختبر شبابا عرب وأفارقة. ولاشك أن مفاجأة الرئيس الفرنسي كانت شديدة، ليس فقط لأن العرب والأفارقة بفرنسا هم الذين يجتهدون من اجل الوصول إلى إنتاج لقاح ينقدها ومعها الإنسانية من جحيم هذه الجائحة، ولكن أيضا من الروح الاستعمارية التي مازالت عالقة بالمجتمع الفرنسي، حيت طالب طبيب فرنسي ليلة زيارته لهذا المختبر، أن تجري تجارب اللقاح المطلوب على الأفارقة، وهو ما يضعهم محل فئران التجارب.
نعتقد أن الرئيس الفرنسي الذي صمت حتى الآن عن طلب هذا الطبيب العنصري، يعلم أكتر من غيره أن الأفارقة الذين أرادهم الطبيب فئران تجارب، هم الذين وقفوا إلى جانب الجنرال ديكول لتحرير فرنسا من قبضة هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، هم أيضا الذين أعادوا بناء فرنسا بعد هذه الحرب، وهم الذين أعادوا لها رونقها الحضاري ودعموا صناعتها واقتصادها وثقافتها ومركزها العلمي لتصبح جوهرة مشعة على ارض الألفية الثالثة.
الرئيس الفرنسي نعتقده أيضا يعلم أكثر من ذلك، أن فرنسا أعلنت عن رغبتها الاحتفاظ بالعقول الإفريقية مع ظهور البوادر الأولى للازمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، بعد طردها واستغنائها عن العمال الأفارقة وفقا لمخطط بعيد المدى يرمي إلى إعادة هيكلة أنظمتها في مختلف المجالات العلمية والاقتصادية والحضارية. ويعلم أيضا أن فرنسا ودول الغرب عامة أعلنت في مطلع الألفية الثالثة عن خصاصها للكفاءات العلمية والتقنية والفنية التي من شأنها إعطائها القدرة على مسايرة التطورات العلمية والتكنولوجية، كما أعلنت عن فتح الباب على مصراعيه لاحتضان الكفاءات الإفريقية وغيرها لإدماجها في أنسجتها لسد النقص عندها.
حسب دراسة للعالم المستقبلي المرحوم المهدي المنجرة أن نقص أوروبا من مختلف التخصصات وصل في العقد الأول من الألفية الثالثة إلى 000 940.إطار متخصص، وهو ما يجعل فرنسا والدول الأوروبية تبذل قصارى الجهود من اجل استقطاب العقول والكفاءات الإفريقية وغيرها بكل الوسائل وبأي الأثمنة، وهو ما جعل هجرة العقول تتسع سنة بعد أخرى في إفريقيا والشرق الأوسط واسيا، وتتخذ أبعادا مهولة ومقلقة في ظل البلاد التي تعاني من الفقر والتخلف، ما يشكل خطرا محدقا على المدين المتوسط والبعيد على الصحة والتعليم والاقتصاد والصناعة والثقافة.
حتى الآن تكون هذه الظاهرة /هجرة العقول، قد تسببت للعالم السائر في طريق النمو، في مقدمته الدول الإفريقية،/تسببت في خسارتين. الأولى مادية حيت يصرف على الأطر المهاجرة ملايين الدولارات من أموال دافعي الضرائب من اجل تكوينها وإعدادها دون أن يستفيد الوطن منها أو من خدماتها. والثانية معنوية، حيت يقدم هذه الأطر على طبق من فضة بدون مقابل حتى وان جاءت جائحة كورونا يجد نفسه في اشد الحاجة إليها لإخراجه من أوضاعه المتأزمة.، وهو يعاني الموت والاضمحلال.
السؤال الذي تطرحه اليوم هذه الوضعية، هل حالة كورونا هي التي أيقظت ضمير الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون (يوم 13 ابريل 2020) ليعلن أنه يتحتم على فرنسا والدول الأوروبية مساعدة إفريقيا في مكافحة فيروس كورونا المستجد من خلال إلغاء قسم كبير من ديونها.... ؟ وهل يكفي هذا فيروس كورونا.. ؟
في الحقيقة نتمنى أن يكون الضمير الفرنسي قد استيقظ تجاه قارة عانت وما تزال تعاني من الإرث الاستعماري وَمخلفاته العنصرية المقيتة.