نواصل في هذه الحلقة من (وجهة نظر) الحديث عن مقدمات اعتقال الزعيم علال وقادة الحركة الوطنية المغربية بفصيليها الوطني والقومي، وقد كان خريف سنة 1937م بحق خريفا ساخنا بكل معنى الكلمة، ذلك أن الوطنيين عيل صبرهم وضاقت بهم السبل أمام التعنت الاستعماري، وتجاوز هذه السلطات وأعوانها كل الحدود، وداسوا على جميع العهود والمواثيق، ووجدوا في الحركة الوطنية من الإيمان والقوة والتنظيم ما جعلها تقف وقفة قوية صلبة تجاه الإدارة وألاعيبها وطغيان ازلامها وسدتنها. وهكذا كلما حاولت تنفيذ خطتها في الاستغلال والسيطرة على الأرض وعلى الماء أو حاولت النيل من العقيدة واللغة كانت تجد أمامها سدا من الرجال الذين آمنوا ان الحياة مع هذه السياسة الغشومة الظالمة غير ممكنة وان المقاومة بكل السبل وبكل الوسائل هي الطريق الشاق الذي لا مفر من سلوكه مهما كانت التضحيات ومهما كان الثمن. وهكذا كان الأمر بالفعل لقد كانت التضحيات عظيمة وكان الثمن فادحا ليس على القادة فقط ولكن على كل الرجال الذين يعملون داخل الحركة أو يتعاطفون معها، فالاستعمار وأعوانه أرادوا بأسلوبهم الوحشي أن يئدوا الحركة قبل أن تعصف بأطماعهم وسياستهم الاستغلالية والمبنية على اعتبار الإنسان المغربي إنسانا غير كامل الآدمية ولذلك يمكنهم أن يعبثوا به كما يريدون، وان يتصرفوا غير مقيدين لا بقانون ولا عرف وإنما هم وما يرونه محققا لأهدافهم، فكل شيء مباح وممكن ما دام يحقق الهدف ويوصل إلى مبتغاهم في مزيد من الإذلال والاحتقار للإنسان المغربي. ولكن هيهات لهم ذلك، فالإنسان المغربي إنسان حر أبي يملك من التاريخ ومن الرصيد الحضاري، ومن الزاد العقدي ما لا تستطيع أي قوة مهما كانت ان تنال منه وكالعادة في هذه الحلقات التذكيرية سنقرأ وصفا لهذه الحالة كما سجله الميثاق الصادر عن الحزب الوطني في مؤتمره المنعقد بالرباط يقول الميثاق. الميثاق الوطني إن المؤتمرين المجتمعين بدار الأخ السيد أحمد الشرقاوي بالرباط مساء يوم الأربعاء 7 شعبان سنة 1356 ه الموافق 13 أكتوبر سنة 1937 الممثلين لفروع الحزب الوطني بأقاليم وجدة وتازة وبركان وفاس ومكناس ووزان وسيدي قاسم وسيدي يحيى والقنيطرة وسلا والرباط والدار البيضاء والجديدة وآسفي والصويرة وسطات ومراكش نظرا للأزمات المادية والمعنوية التي تجتازها بلادنا المغربية في الوقت الحاضر والتي نتجت عن سياسة الميز والإرهاق التي تسير عليها الإقامة العامة. ونظرا لكون الحماية لم تحقق ما وعدت به في الكثير من المناسبات من تنفيذ مطالب المغرب المستعجلة بالرغم عما تتطلبه حالة البلاد في ميادين الإسعاف والاجتماع والعدالة. ونظرا لحادثة مكناس المؤلمة التي أهرقت فيها دماء الشهداء الأحرار ورمى فيها الجمهور الأعزل بطلقات الرصاص واعتقل فيها العدد من الأبرياء ليعرضوا على المحاكم العسكرية، والكل لمجرد تضامنهم مع المسجونين المقاومين لنزع ملكية الماء. ونظرا للاضطهادات التي تقوم بها السلطة في بوادي المغرب لكل من ينتمي لحركتنا أو يتصل بنا حيث سجنت المئات وعذبتهم أشد العذاب وأثقلتهم بالحديد والأغلال وشردت ( المداشر) وفوتت العقارات والأمتعة. ونظرا لكون الإدارة سلطت فريقا من الجيش المنظم (الصبايحية الثامنة) على مدشر المطرناغة من ( بني يازغة) حيث أباحت لهم السبيل فارتكبوا أشنع الفظائع من هدم الخيام ونهب الأموال والأنعام والفتك بالأعراض وتعذيب البرآء. ونظرا لكون السلطة أطلقت اليد للبياز والجلاوي وأعوانهما ليرهقوا المراكشيين فسجنوا ونفوا وعذبوا وجلدوا وكبلوا وانتهكوا الحرمات فاعتدوا على علماء الشريعة ورجال الدين وأقفلوا ديار الصناع والوطنيين بعدما طردوا سكانها وبددوا أمتعتها وهجموا على المدارس القرآنية فشردوا تلاميذها ونفوا أساتذتها وأهانوا الكتب والألواح والدفاتر ثم أقفلوها، وصادروا الصحافة الوطنية وفرضوا العقوبات والغرامات على من يقرأها. وبما أن المسؤولين من الولاة سمحوا بتنظيم حج تبشيري لكنيسة سانت تيريز بصفتها قديسة البعثات التبشيرية بالخميسات، وبمنع الطلبة بآيت أوربيل من قبيلة زمور من عقد موسمهم القرآني السنوي إلا بشرط عدم قراءة القرآن وعدم الدعاء لجلالة مولانا السلطان، كما سمحوا من قبل بمنع الاحتفال بالمولد النبوي بمراكش مما يدل على أن روح السياسة البربرية ما تزال مسيطرة على إدارة الحماية. ونظرا لخنق الصحافة المغربية بالحجز والتعطيل والمراقبة. ونظرا لرفض الطلبات الموجهة للحكومة في شأن تاسيس جمعيات مختلف_. ونظرا للاتهامات التي توجهها الصحف الاستعمارية المأجورة لحركتنا وتصويرها بصورة مخالفة للواقع. وبعد أن استمتع المؤتمرون لبيانات الحزب الوطني بكل ما تقدم، ودرسوا الموقف من جميع وجوهه قرروا ما يأتي: 1/ يستنكر المؤتمرون باسم الشعب المغربي جميع أنواع الاضطهادات المفجعة بمكناس ومراكش وبني يازغة والبوادي المغربية، ويحتجون على تلك الأعمال الهمجية التي تمثل روح العصور المظلمة، ويطالبون بإطلاق سراح جميع المعتقلين وإعطاء تعويضات عاجلة لسائر المنكوبين وعائلاتهم عما غُصٍبَ منهم. 2/ يحتج المؤتمرون بصفة خاصة على مقاومة الصحافة المغربية ويقررون محاربة كل التدابير والمحاولات المراد منها تعطيل الصحف أو حجزها أو وضع مراقبة عليها ويطالبون للصحافة المغربية بالحقوق التي تتمتع بها الصحافة الأجنبية بالمغرب. 3/ يستنكرون إصرار الإقامة على رفض السماح للمغاربة بتأسيس الجمعيات كيفما كانت غايتها. 4/ يعتبر المؤتمرون مسؤولية هذه السياسة ملقاة على الروح الرجعية التي تسيطر على دوائر الحماية والتي سبق لها أن أثارت سخط المغرب والعالم الإسلامي في القضية المغربية. 5/ يلتزم المؤتمرون بمقاومة هذه التصرفات الجائرة بكل الطرق المجدية المشروعة، ويكلون اختيار الوسائل والظروف للمسؤولين في الحزب الوطني. 6/يستنكرون كل التهم الباطلة والافتراءات المصطنعة التي تلصقها الدوار الرجعية والصحف الاستعمارية بحركتنا، ويعلنون أن حركتهم ليست لها صلة بأي عامل خارجي، ولا تعتبر أبدا مسؤولة إلا عما يصدر من طرف المسؤولين في الحزب الوطني. 7/ يقررون أن كل تفاهم مع الحكومة لا يمكن إلا بعد العدول عن خنق الحريات والاضطهادات وبعد تنفيذ مطالب المغرب المستعجلة ويعتبرون أن في رعاية جلالة مولانا المنصور بالله لشعبه الكريم وفي عطف الأحرار من رجال الديمقراطية الفرنسية ما يسهل الوصول لذلك. 8/ يعاهد المؤتمرون الله على تنفيذ محتويات هذا الميثاق، ويعلنون استعدادهم لتقديم التضحية اللازمة لذلك. هذه هي المقررات التي تضمنها الميثاق وهي كما نرى وصف للحالة وتنديد بها وتقرير للحد الأدنى مما يجب توفيره للحياة العامة في البلاد، وبدل أن تستجيب الإدارة الاستعمارية قررت اعتقال قادة الحزب ونفيهم وهو ما يخبرنا به الزعيم علال في الفقرة التالية: وفي يوم 25 أكتوبر أصدر المقيم العام قرارا بإلقاء القبض عليّ وعلى الأساتذة محمد اليزيدي وعمر عبد الجليل وأحمد مكوار. وقد التقينا في مدينة ( ميدلت) حيث بتنا جميعا، ثم نقلنا في الصباح لقصر السوق ووضعنا في خلايا مقفلة بالحصن العسكري تحت حراسة الجنود الفرنسيين. وفي يوم 3 نوفمبر نقلت في طيارة خاصة من (قصر السوق) إلى الصحراء، ومنها إلى الجابون في أفريقيا الاستوائية على ما سأبينه بعد، ونقل إخواني الآخرون إلى مراكز مختلفة في الصحراء المغربية. والبقية في وجهة نظر قادمة.