إفْحامُ ضَغَطَ بِعَصَبِيَّةٍ وعُنْفٍ عِدّةَ مَرّاتٍ على مُنَبِّهِ سَيّارَتِهِ لِيوسِعَ لَهُ الطَّريقَ سائِقُ عَرَبَةٍ يَجُرُّها جَحْشٌ لا تَقْوى قَوائِمُهُ حَتّى على حَمْلِ جَسَدِهِ الْمُتَهالِكِ . لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ الْحوذي الّذي بَدا كَأَنّهُ يَستَمْتِعُ باهْتِزازِ عَرَبَتِهِ الّتي تَجُرُّ عَجيزَتَها كَبَطَّةٍ عَرْجاءَ , لَمّا حاذاهُ أخْرَجَ رَأسَهُ من مَقْصورَةِ السَيارَةِ ورَفَعَ عَقيرَتَهُ : « هلْ تَسوقُ هذه الدّابَّةَ أًَمْ تَسوقُكَ ؟ « فَرَدَّ عَلَيْهِ بِبُرودَةٍ لَمْ تَزِدْ جَمْرَةَ غَضَبِهِ إلاَّ اتِّقاداً :» الله يَسوقُ الْجَميعَ .» ولكَزَ الْجَحْشَ من غَيْرِ أن يَلْتَفِتَ إلَيْهِ .. كانيبال على مصْطَبة في الحديقة العمومية جلسا يسْتعْرضان ما أعدّا من أطباق البوح والمجاملة .. مرّتْ أمامهما فتاةٌ من الكاسيات العاريات . جَحظَتْ عيناه حتّى خالتْهُما خَطيبَتُه تدَحْرجَتا من مَحْجريْهما وتَبِعتا الفتاةَ التي لوت مفاتنها عنق الشارع . انتزعت يدها من يده وخاطبته غاضبة :» كُلْها « . ردّ عليها : « لا ! مثل هذه تبلع ..» . جُثّة لم تتوقف زوجة جارهما الذي قضى عن البكاء والعويل والتأسف على بعل لم تلد مثله امرأة . عدّدت خصاله حتى ليظن السامع أنه كان ملاكا . أثناء عودتهما من تقديم العزاء قالت زوجته بنبرة عتاب : « ونعم الرجل والزوج ، أمّا بعض الرجال ف... - لقد مات منذ أن تزوجها -وكيف احتفظتْ بالجثّة حتى الآن ؟ - أريد أن أقول إن النّهر الذي لا يطمس أعْتى الظّلال إذا طما ، وإذا ترقْرقَ لا يتركُ وراءَه أكْياس بُرّ وأقواعَ ثمْر وتينٍ وبردًا لكلّ خميلةٍ فليس من الطبيعة في شيء . نَظَرية لم تبقَ إلا تينةٌ واحدة تتربّع قنّة الكرمة الوحيدة أمام باب المدرسة . نضجتْ حتّى تشقّق إهابُها . وهم يبحثون عن السّبيل إليها ، كان سعيد ينطّ من غصن لغصن متسلّقا نحوها . صاح عبد الحق : « يا لها من خفّة ورشاقة ! « فردّ سعيد : « ألسْنا من سلالة القرود ؟ « . رمقتْ عيْنا زُهيْر حَجرا فتناولَه ورمى به التّينة ليُسْقِطها قبل أن يتناولها سَعيدُ ؛ لكنّه أصابَ رأس صديقه الذي هوى والغصْن في طقطقة وارتطام أثار غُبارا حَجبَه عن أصدقائه . فصاح حمزة : « لقد سقطتْ نظرية دارْوين ! « .