كانت شهور شتنبر وأكتوبر ونونبر من سنة 1937م شهورا غير عادية في تاريخ الكفاح والنضال الوطني، وذلك لما امتازت به هذه الشهور من التصدي للاستعمار الفرنسي وما كان يقوم به من عمل هدفه استئصال الروح الوطنية باعتقال ونفي القادة وسجن المناضلين ومحاولة إخماد الأنفاس وكم الأفواه وفرض الهيمنة التنصيرية والاستغلال الاقتصادي في أبشع مظاهره. فمنذ إغلاق مقر الكتلة ومحاولة منع الحزب الوطني من النشاط وهذه الادارة تواصل الاعتقالات والنفي وذلك في سعي حثيث منها لتحقيق الأهداف والمقاصد الاستعمارية في المجال الديني والاقتصادي والثقافي واللغوي. وهي نفس المجالات التي تصدت الحركة الوطنية للعمل فيها، وبذل قصارى الجهد لإفشال المخطط الاستعماري ومواجهته بقوة الحركة الفاعلة و بالتنظيم الدقيق وتوحيد الصف الوطني. لقد راهنت الإدارة الاستعمارية في هذه السنة على الانشقاق الذي حصل في كتلة العمل الوطني لعلها تجد منفذا تدخل منه للإجهاز على الوطنية المغربية ولكن هذه المراهنة باءت بالفشل ذلك ان الحركة الوطنية وان كان هذا الانشقاق مما آلم الجميع وتأثر له، ولكنه انشقاق يدخل تحت مقولة (رب ضارة نافعة) إذ كان مجالا للتنافس في سبيل العمل والإبداع والابتكار، فكان الحزب الوطني والحركة القومية رغم عدم التنسيق فيما بينهما تكاد تكون المواقف واحدة في الهدف العام، ولذلك فإن الإدارة الفرنسية وبصفة خاصة في هذه الشهور جوبهت من طرف الفصيلين معا من حيث المواقف والمبدأ بموقف يكاد يكون متشابها وهو ما دفع الإدارة إلى اعتقال المجموعات الوطنية من الفصيلين حسب امتدادات كل فصيل في الأوساط الشعبية. وعلى أي حال فإن الموقف اشتد بعد أحداث الخميسات ومكناس وبني يازغة وقبائل ايت يوسي وبني ورين وغيرها. ذلك أن الحركة الوطنية كانت تقوم بالمبادرات التي من شأنها إفشال الخطة الاستعمارية، وفي نفس الوقت تكون قفزة في مجال تحقيق الأهداف الوطنية، فإذا كانت الإدارة الفرنسية تقوم بدعم التنصير وتشجيعه فإن الحركة التي هدفها الإصلاح الديني عن طريق نشر السلفية الصحيحة والقويمة فإنها تتخذ من المواسم الدينية فرصتها، لذلك كان رد الفعل مباشرة عن طريق موسم المولى إدريس، ويقول الزعيم علال في هذا الصدد: مهرجان 13 أكتوبر بفاس: ومقابل المظاهرة التبشيرية التي دبرته الإقامة أقام الوطنيون بمدينة فاس مهرجانات خارقة للعادة يوم 13 أكتوبر بمناسبة الموسم السنوي للمولى إدريس راعي المدينة ونجل إدريس الأكبر مؤسس أول دولة عربية إسلامية مستقلة بالمغرب، وقام المجتمعون بالضريح الإدريسي وغيره بصلوات ترحم على أرواح الشهداء بمكناس والخميسات وببني يازغة وغيرها، وأعلن الكل أن مهمة الحركة الوطنية لم تعد مقاومة الطغيان الفرنسي والمطالبة بالحريات السياسية والاجتماعية فقط، بل أصبحت تتعدى ذلك إلى مقاومة التهجمات الأجنبية على الإسلام وتجديد الدولة المغربية المستقلة التي أسسها المولى إدريس الأكبر. وقد أثر توالى هذه الحوادث في نفس الجنرال نوجيس وموظفيه إلى حد فقدوا معه كل بداهة وتدبير، فاشتدت مهاجمة الوطنيين في أنحاء البلاد وأصبح المراقبون المدنيون يتنافسون في اعتقال أفراد الحزب والمنخرطين به خاصة في الجبال البربرية التي لم يتحمل الفرنسيون أن يصبح سكانها منظمين ضمن حزب مغربي مكين، وقد اعتقل عدد كبير في ( بني مجيلد) و( آيت يوسى) وعذب مئات من الوطنيين في (بني وراين) وبرغم ذلك فقد رفضوا إمضاء بطاقة تعلن خروجهم من الحزب الوطني، ولم ينتصف شهر أكتوبر حتى كان المعتقلون يتجاوزون العشرة آلاف، وضاقت الحماية ذرعا بالصحف الوطنية، وأكثرت من حجز أعدادها، وأخيرا قررت منع جريدة (الأطلس) لسان الحزب الوطني، وفكرت في وضع رقابة على الصحف قبل طبعها، فقررت الصحف الوطنية أن تحتجب تضامنا مع (الأطلس) وامتناع عن الصدور في عهد الرقابة. وهذه الحركة التي قام بها الوطنيون لم تزد الإدارة الفرنسية إلا عنادا وتجبرا ولذلك فإن الرأي العام الوطني كان يتهيأ لما هو أسوأ ولكن مع ذلك استمر الجميع في الإعداد لعقد المؤتمر الاستثنائي للحزب الوطني الذي انعقد بالرباط يوم 13 أكتوبر 1937