ينحدر الشاعر لحسن عايي من إحدى القبائل الأمازيغية العطاوية التي استقرت منذ نهاية القرن الثامن عشر بمنطقة الرتب على ضفة وادي غريس، على بعد بضعة أميال من قصر السوق، وتربى في كنف أسرة عريقة، متوسطة الحال، كثيرة التنقل والترحال؛ بفعل طبيعة عمل والده التي فرضت ذلك، باعتباره فردا من أفراد القوات المساعدة. واستطاع لحسن عايي أن يستفيد من هذا التنقل بين عدد من المدن المغربية التي كبر في أحيائها التقليدية كحي بوطويل في فاس الجديد، والقصبة في الريصاني، وبولمان، وتنغير، والرشيدية، وأرفود، وأوفوس، التي تعتبر القلادة التي تتوسط عقد واحة زيز . ورشف من ثقافات متنوعة أغنت تجربته الإبداعية، وراكم من خلالها ألوانا من موروثنا الثقافي. فرغم أنه ينحدر من أسرة أمازيغية عطاوية، إلا أنه يزاوج بين الإبداع باللغتين العربية والأمازيغية. فنال حظا معلوما من التعليم، وتشبع بفنون بلدته المحلية؛ مثل البلدي والكناوي بالرشيدية، والملحون بالريصاني وأرفود، وعايش أهازيج الاطلس ببولمان، فتأثر كثيرا بهذه الفنون الفلكلورية. ورشف هذا الشاعر من مختلف الألوان المؤثثة للحقل الفني والإبداعي المغربي، فكان كالنحلة التي تجوب الأزهار والورود بحثا عن الرحيق. هذا التلاؤم والتكيف مع المدن التي كان ينزل بها أبوه، قربه أكثر من المجتمعات المغربية. فتذوق عذوبة فنها، وجعلت منه المغربي النموذج، ذا الثقافتين المغربية العربية والأمازيغية الأصيلتين. فبالإضافة إلى كون الشاعر لحسن عايي مرهف الحس، و ميالا إلى التجاوب التلقائي مع الطبيعة والذوبان؛ بل الانصهار في تفاصيل تفاعلها الجميل، وتمظهراتها المتلونة المشعة ، فإنه استطاع أيضا أن يركب كل ما تمليه عليه الطبيعة، وينغمس في بوتقة المجتمع بشكل كبير. واكتنز مفهوما للحياة أكثر شمولية، ينزع نحو ما هو أعم، متجاوزا بذلك النظرة الجزئية للأشياء: فالأحياء التي كبر فيها، ما هي إلا دروب في وطن. فهو الذي قال في قصيدة أنت موطن يسكنني : أنت موطن يلازمني.. عيناك سماء.. ينتعش من عذوبتهما المطر صهيلك نشيد يتردد في مسمعي منذ الصغر من أعلى سرجك يمتد وطني يذوب فيه النظر ويبقى الحدث الذي أثر بشكل كبير في حياته، وجعله الإنسان الشاعر المهووس والعاشق للكلمة وسحرها، ذاك الحدث الذي يتذكره العالم في أكتوبر 2000، حين اقتنص أحد الجنود الاسرائليين محمد الدرة في حضن أبيه، فانبثقت قصيدته الأولى «احميني يا أبي « ، ثم توالت قصائده العديدة باللغتين العربية والأمازيغية.