في سياق التنقيب عن الإبداعات الشعرية الأمازيغية في مجتمعات الجنوب الشرقي بالمغرب، نشير إلى كون هذه المنطقة تزخر بثروة شعرية هائلة؛ لكنها غير مستثمرة، ولم تول الأهمية التي تستحقها، من حيث الدعم والاهتمام؛ بحيث يندهش الباحث في هذا الحقل الإبداعي الرفيع للظاهرة الشعرية الشعبية الشفهية، التي يرتبط وجودها بوجود الشعراء الشعبيين الذين يعبرون عن الذاكرة الجمعية للخريطة القبلية الهائلة، التي تؤثث المشهد الاثني لهذا المجتمع، باعتبار أن فن الشعر الشعبي من الفنون التي تتوارث أبا عن جد، ومن خلالها يؤرخ أصحابها لمسير قبائلهم عسرا أو يسرا، أفراحا أو أتراحا؛ لذا كانت التيمات المتداولة بين الشعراء الأمازيغ ثرية بثراء الفسيفساء الاجتماعي المتفاعل مع أحواله اليومية، التي تم تخليدها عبر قصائد آية في الوصف والتعبير، إلى حد أن روعتها وجماليتها جعلت البعض ينعتها ب»المعلقات الأمازيغية». فهي تمثل الملاحم القبلية، وصراع أبناء هذه القبائل من أجل الوجود والكرامة والحفاظ على الهوية، كما نلمس ذلك من خلال نماذج لشعراء مبدعين أمثال الشاعر الكبير داود أوهرى التعلالتي المولد، الأوديمي الموطن، المتوفى في أواسط الستينيات والشاعر حماد أحربوس التغبالتي المتوفى حوالي 1975م، والشاعر أحماد والطاهر التوروغي، المولود في عام 1932م، والشاعر الشهير زايد أوبجنا والشاعرين المرغاديين أومحفوظ، وأوعستا، المعروفين لدى القبائل المرغادية والعطاوية والحديديوية والزيانية، والشاعر مولاي حماد الإدريسي الملقب ب»أقزدير» بقصر أوديم بألنيف، والشاعر حماد أويشو التورزي، وحساين أويشو ن بابا التيكَرني، وسيدي موح بن مولاي حماد والطاهر الإيكَلي قرب ملَّعب وغيرهم. وبفضل هؤلاء وغيرهم كُتِب لرقصة «أحيدوس» التقليدية الأصيلة والعريقة أن تستمر على قيد الحياة، بشكلها العصري المعروفة ب»أمحراي» أو «أحلاكسا»، الذي يقدم له ب»تايزّيمت» فضلا عن فن «تامديازت»، والذي يجد لنفسه امتدادا في فن «تيمناطين» المشبع بروح الحرية والانفتاح على الآخر. وهؤلاء الشعراء سبق لنا أن عرفنا ببعض منهم في مناسبات سالفة، واليوم يطيب لنا أن نستمر في الحفر داخل هذا المنجم النفيس للاغتراف من معدنه الصافي، والتزود بفيضه الوافي من خلال تجربة شعرية رائدة لشاعر مغمور يشق طريقه بصبر وأناة في صمت كامل بعيدا عن الأضواء: إنه الشاعر لحسن عايي. يتبع