استغربت الجالية الإسلامية من القرار المفاجئ الذي اتخذته السلطات البلجيكية بجهة الفلاندر وذلك بفرض حظر شامل على ارتداء الزي الإسلامي على جميع الطالبات المسلمات في المدينة وفي كافة المدارس التي يبلغ عددها سبع مائة مدرسة. وأعلن إبراهيم الطويل أحد مسؤولي الجالية الإسلامية في مدينة انتويرين، حيث احتدم الجدل بشأن الزي الإسلامي في المدارس الفلمنكية، أن الجالية الإسلامية في المدينة ستتجه تدريجيا إلى استخلاص الدروس من الحصار الذي باتت تتعرض له بشكل منهجي ومنظم وتحت تبرير الدفاع عن قيم المجتمع البلجيكي، في سعي واضح للتمييز بين مكونات هذا المجتمع الذي تنتمي إليه الجالية الإسلامية، مثلها مثل بقية الطوائف والجاليات. الخيار الوحيد وبين إبراهيم الطويل في حديث نشرته صحيفة ( ديستندار ) الفلمنكية إن رد الجالية الإسلامية سيكون مشابها لرد الطوائف الدينية الأخرى في العمل على بناء مؤسسات تعليمة ومدارس خاصة بها. وأوضح أن هذا الحل يمثل الخيار الوحيد الذي يتركه المتطرفون من المشرفين على المؤسسات التعليمية أمام أبناء الجالية الإسلامية. وطلب الطويل من "الجالية المسلمة تنظيم وقفات احتجاج وعدم إرسال أولادهم للمدارس، كما دعا لتظاهرة كبرى احتجاجًا على القرار، وقال: نشعر بأن المرأة المسلمة مستهدفة في هويتها.. وهي المربية للأجيال، فإذا ضاعت ضاع المسلمون معها. وطالب بفتح حوار مع المدارس المعنية، على الرغم من أن المسؤولين فيها لم يفتحوا حوارًا مع الطالبات أو أولياء الأمور، قبل اتخاذ قرار حظر الحجاب. ويعمل نور الدين الطويل إمامًا وداعية متطوعًا بالمركز الإسلامي ببروكسيل، وسبق له أن عمل إمامًا في أحد المساجد التابعة لإنتويرب في عام 2005، ثم انتخب في المجلس العام للهيئة التنفيذية . وفي المقابل أعلن كريم حسون رئيس الرابطة العربية الأوروبية وهي منظمة تعنى بشؤون المهاجرين في مدينة انتويربن أن مسألة تأسيس مدارس إسلامية في مقاطعة الفلاندر باتت مسألة وقت ليس إلا وأنه لا يوجد خيار آخر للجالية الإسلامية سوى خيار الاعتماد على نفسها بعد أن أخفقت المؤسسات العامة في ضمان "أدنى درجة من احترام خصوصيتها الروحية" وتحت تبرير العلمانية وهو تبرير لا يصمد أمام الواقع، على حد قوله وأوضح حسون،أنه لا يمكن فهم قرار الحظر الذي اتخذته السلطات البلجيكية بهذا الشكل وفي هذا التوقيت وانه كان من الأجدر تمكين كافة المدارس من السماح لكل طالب بحرية الاختيار مما يجنب تسجيل أي إشكالية. وأكد حسون أن الجالية الإسلامية في مدينة انتويربن تقوم بإدارة جيدة لأكثر من سبعين مسجدا وستكون قادرة أيضا على إدارة المدارس الضرورية لأبنائها بالرغم من قناعتها بضرورة تجنب التمييز والفصل وأسلوب التفرقة المتعمد. و من المقرر أن تعقد الهيئة التنفيذية للمسلمين في بلجيكا اجتماعا لمناقشة ما يمكن اتخاذه من إجراءات قانونية ضد قرار حظر ارتداء الحجاب في جميع المدارس العامة بمنطقة فلاندرز البلجيكية التي تتحدث الهولندية. ويشار إلى أن السلطات التعليمية تحتج على أن الفتيات المسلمات لا يرتدين الحجاب داخل منازلهن، فلماذا يجب عليهن ارتداؤه داخل الفصول الدراسية، كما ترى تلك السلطات أن الفتيات يتعرضن لضغوط من أسرهن لإجبارهن على ارتداء الحجاب. مضايقات فلمنكية. إلاّ أنّ الأمر لا يبدو ورديًا بالكامل في عيون المسلمين، فالتحريض السافر ضد الأجانب الذي يمارسه اليمين المتطرف، المتمثل أساسًا في حزب "الكتلة الفلمنكية"، لا يثير الارتياح، ويبعث على قلق القاعدة المسلمة العريضة التي ترى في بلجيكا مستقرًا لها؛ فقد أكدت دراسة جديدة أعدها "مركز الأبحاث السياسية الاجتماعية" في بروكسيل في نهاية إبريل2001، أنّ قرابة 80 في المائة من النفقات تصب لصالح الكنيسة الكاثوليكية، فيما يبلغ نصيب الكنيسة البروتستانتية منها 3.2 في المائة وتؤكد الدراسة أنّ الدولة لم تقرر من جانبها بعدُ دفع أجور أئمة وموظفين تابعين لنحو 126 مؤسسة إسلامية في بلجيكا، وهو ما يثير مشاعر الغبن في أوساط المسلمين، ويبلغ نصيب الحصة الدينية الإسلامية من إجمالي نفقات الدولة على التعليم الديني والأخلاقي 7 في المائة، فيما تحوز الكنيسة الكاثوليكية على 70 في المائة من هذه النفقات أول امرأة محجبة في البرلمان البلجيكي. ويأتي ذلك الحظر بعد أشهر من انتخاب أصغر نائبة بلجيكية من أصل تركي مرتديةً الحجاب الإسلامي؛ لتشكل بذلك الحالة الأولى من نوعها في بلجيكا؛ الأمر الذي أثار احتجاج بعض البرلمانيين باسم العلمانية. واستنادًا إلى الصحف البلجيكية فإنها الحالة شبه الوحيدة في أوروبا باستثناء نائبة عن منطقة سبتة المغربية الخاضعة لحكم ذاتي تحت إدارة إسبانيا. وأشارت الصحف إلى أن ماهينور أوزدمير (26 سنة) الحاصلة على شهادة في العلوم السياسية من جامعة بروكسيل الحرة تعد أصغر نائبة في برلمان بروكسيل. وماهينور هي ابنة تاجر تركي مقيم في حي شاربيك في بروكسيل الذي تسكنه جالية مهاجرة كبيرة، عضوة في المركز الديمقراطي الإنساني، الحزب الاجتماعي المسيحي السابق الناطق بالفرنسية. وتقول ماهينور إنها ارتدت الحجاب في سن الرابعة عشرة "عن قناعة شخصية" و تشارك منذ ثلاث سنوات مرتدية الحجاب في أعمال مجلس شاربيك البلدي دون أن يثير ذلك أي جدل. ومن المتوقع أن يكون لها دور رئيسي في هذا البرلمان حيث ستقوم بوصفها أصغر المنتخبين سنًا بمساعدة رئيسة الجلسة واكبر أعضاء البرلمان سنًا أنطوانيت سباك. ومن جانبه ، زعم النائب الفدرالي الليبرالي دوني دوكارم والنائب الإقليمي لبروكسيل فيليب بيفان الليبرالي أن هذا الأمر يشكل "مساسًا بحيادية" البرلمان والعلمانية. وأعلنا أنهما سيقترحان تعديل قواعد البرلمان البلجيكي لحظر ارتداء "الشارات الدينية" أو "الفلسفية المميزة". وفق قولهما. إلا أن هذا المسعى لا يتوقع له النجاح نظرًا لحصول النائبة الشابة على دعم الأحزاب الثلاثة المشكلة للائتلاف الحاكم للمنطقة وهي المركز الديمقراطي الإنساني، الحزب الاشتراكي، حزب الخضر. مسلمو بلجيكا والدور المؤثر استطاع مسلمو بلجيكا أن يغيّروا أوضاعهم في المجتمع من مجرد عمال في مناجم الفحم إلي برلمانيين يدافعون عن قضايا إخوانهم، كما استطاعوا أن ينشئوا مؤسسات تعليمية وتربوية خاصة بهم. فقد أوضحت صحيفة "دي ستاندرد" الفلمنكية واسعة الانتشار، أن مسلمي بلجيكا قد حازوا على عدد من الأصوات يتفوق بعدة آلاف على ما حصل عليها زعماء أحزابهم من البلجيكيين الأصليين، وقد دلّ الصعود غير المتوقع للمرشحين المسلمين في الانتخابات الأخيرة على مؤشرات إيجابية، أهمها أنّ الأحزاب السياسية البلجيكية قد وعت الدرس جيدًا، وأنها ستعمد إلى إدراج المزيد من المرشحين المسلمين على قوائمها الانتخابية في الجولات المقبلة؛ نظرًا لأهمية الصوت المسلم، والذي يتزايد عبر السماح للأجانب بالمشاركة في الانتخاب مع مطلع العام 2006 وتؤكد صحيفة "لوسوار" البلجيكية "أنّ الإسلام بوسعه أن يساعدنا في العودة إلى المعاني الحقيقية للإيمان"، على حد تعبيرها ولا تتردد السلطات البلجيكية من جانبها في إظهار المودة لمواطنيها المسلمين خصوصا في جهة والوني، وتتمتع بلجيكا بعلاقات تقليدية حسنة مع مسلميها، وتتميز في الوقت ذاته بأنها في مقدمة دول أوروبا التي أبدت استعداداً للاعتراف بالدين الإسلامي، وتسوية الوضع القانوني للجماعة الدينية المسلمة، وإن كان لم يخل من العثرات التي أفرغته لسنوات طويلة من مضمونه الفعلي.