ما يعاب على ظاهرة ما يطلق عليه بالأمازيغية «الصقير» في سوس وب «تاقرفيت» في الجنوب الشرقي للمغرب هو تسرب بعض المظاهر المخلة بالأخلاق التي قضت على كل أوصال الحشمة والوقار، خاصة في منطقة مازالت تقيم وزنا كبيرا للقيم الأخلاقية، لكن هذه المظاهر لاتعدو حسب المختصين أن تكون سلوكات إستثنائية وشاذة. وقد فسر بعض الباحثين في التراث الأمازيغي هذا السلوك بأنه نوع من الغزل العفيف بحيث لايعدو أن يكون ظاهرة اجتماعية أنيطت بها تسميات متعددة، فمناطق الأطلس الكبير يطلقون عليه «تجماعت» أي «الكلام»، أما أهل الأطلس المتوسط فيطلقون عليه «تاقرفيت» فيما أهل الأطلس الصغير يطلقون عليه «الصقير». ويلفت انتباه الزائر لمنطقتي تافراوت و أيت عبد الله بمداشيرها، لاسيما في فصل الصيف أو حتى في إحدى المناسبات الدينية كالأعياد الفتيات بلباسهن التقليدي (أملحاف)، جالسات على جنبات الطرق في انتظار شبان القرية لمجالستهم وتبادل أطراف الحديث معهم ويقتصر الأمر هنا على غير المتزوجين منهم. ويشير الأستاذ الحسين أيت باحسين وهو باحث في الدراسات الأنثربولوجية والسوسيولوجيا بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن ظاهرة الصقير من صلب الثقافة الأمازيغية في العديد من المناطق المغربية ويقوم بدور التواصل بين شباب قرية من قرى سوس لاسيما غير المتزوجين منهم. وأضاف أن الصقير لا يعدو أن يكون وسيلة للتفاهم بين هؤلاء الشباب وهم يتظاهرون بعلامات الإعجاب والاحترام وهذا يعني بأن هناك غزلا عفيفا يربط بين الجميع وهذا هو القاسم المشترك إذ يسعى كل واحد إلى نيل قبول الآخر. ويشار إلى أن ما يميز هذه الظاهرة عند أهل الجنوب هو أنها تجري في كامل الاحترام والوقار، وربما هذا الأمر الذي يجعل هؤلاء الشباب يتبادلون عبارات الإعجاب أمام أنظار الأهل والأصدقاء والجيران، إذ يبدأ كل واحد منهم في تعداد محاسنه من خلال الكلام الموزون بعبارات الإعجاب وبالكلام الرقيق وفي غالب الأحيان تكلل هذه العلاقة بالخطبة وبعد ذلك بالزواج وقد يكون هذا هو الهدف الرئيسي للصقير. قال أيت باحسين إن الهدف من الصقير الزواج ، وإذا لم يكن كذلك فيبقى وسيلة لترسيخ الحفاظ على الموروث الثقافي بما في ذلك التقاليد والأعراف ، ويضيف أن الصقير له وظائف اجتماعية وتثقيفية ونفسية إذ يسهم في التنفيس عن النفس والترويح عنها. وذكر كذلك أنه من أراد التحدث إلى إحدى فتيات المناطق المشار إليها فلا بد له من امتلاك نسبة من ذكاء تمكنه من ربط علاقات مقبولة اجتماعيا ومد جسور التواصل بين أفراد المجتمع مؤكدا أنه يجب على ممارس الصقير أن يكون مسلحا بعتاد ثقافي في المستوي يراعي الضوابط الأخلاقية للمجتمع الأمازيغي وأوضح بأن الصقير يعلم الشاب الدهاء وعليه أن يكون مطلعا على مختلف الجوانب الهوياتية وعلى دراية تامة بالمجال الجغرافي للمنطقة. وفي منطقة تافروات وايت عبد الله يؤاخذ شيوخ المنطقة الذين مارسوا هم الآخرين هذا السلوك في فترة معينة من حياتهم ، بعض المظاهر ويعتبرونها مخلة ويرجعون ذلك إلى تأثير فعل الحضارة ووسائل الاتصال. وهذا ما ذهب إليه كذلك أيت باحسين مؤكدا على دور وتأثير وسائل الاتصال والإعلام في الحياة الاجتماعية وفي تطور وتغيير العديد من السلوكات من بينها «الصقير» واستدل على ذلك بالمدرسة التي أصبحت فضاء يحتضن تفاعلات اجتماعية بين الشبان والفتيات إلا أن هذا لا يمنع من قبول هذه الظاهرة اجتماعيا، لأنها ليست انحرافية على حد تعبير هذا الباحث. ويرى علي، البالغ من العمر 58سنة وهو تاجر المواد العذائية بمدينة الرباط وقد سبق له أن عايش الظاهرة عن قرب لأنه ينحدر من دوار «تجكالت» أكرض أسول بتافراوت، أن الصقير تغير جذريا ولم تكن الفتيات يجلسن على جنبات الطرق كما يروج، بل المسألة ارتبطت بأولئك اللواتي يخرجن لجلب العشب والرعي. وأشار إلى دور الوالدين، مؤكدا أنهما ليسا بمنأى عن كل ما يحيط بالعملية، فهم حسب قوله يعرفون كل التفاصيل المرتبط بذلك، لكنهم يغضون الطرف تفاديا للسقوط قي ما لا تحمد عقباه. والغريب في الأمر يقول علي أن ظاهرة «الصقير» ليست محصورة في حيز جغرافي معين، إذ يحدث أن ينتقل شبان القرية إلى إحدى القرى المجاورة ليلتقي بفتياتها على ضفاف واد «أملن» ونفس الشيء ذهب إليه أيت باحسين مؤكدا أن شباب دوار «إداوكيس» بناحية إغرم يذهبون إلى منطقة «إسافن» لممارسة الصقير. ورغم كل الانتقادات والمؤاخذات عن»الصقير» باعتبارها ظاهرة اجتماعية، فإن لها دلالات ثقافية وخصوصيات من صميم التقاليد الأمازيغية وبعض الباحثين اعتبروها مكونا من مكونات الأمازيغية لأن الهدف الأساسي من «الصقير» هو في آخر المطاف الزواج.